يا نفس! من قبل مزايلتك عالم الكون والفساد تمكنى من مواصلتك عالم العقل. ومن قبل مفارقتك قرينك الغادر الدنىء الفانى تخيلى فراقه وتمثيله، وتخلى عنه مهلا مهلا، واستقبلى مواصلة خليلك الآتى وأنسى به وانضافى إليه مهلا مهلا.
يا نفس! أى أحد سكن منزلا فبغضه وأراد الخروج منه فينبغى له أن يرتاد موضعا غيره قبل نقلته. فإن من انتقل من موضع ولم يعرف موضعا غيره ينتقل إليه يوشك أن يبقى تائها مضطرا، والاضطرار يلجئه إلى أن يسكن حيث وجد على غير ترتيب ولا اختيار، فلعله يسكن بالضرورة فى موضع شر من موضعه الأول فيتنغص عيشه وتتكدر حياته.
يا نفس! إنه ما من أحد يسكن فى موضع إلا وهو يشتهى أن ينتقل منه إلى ما هو أشرف من الأول وأوسع وأبهى. فما بالك يا نفس تؤثرين أن تسكنى فى المساكن المظلمة الخربة الوحشية، وتتركين المساكن النيرة المضيئة الآنسة؟! فحتى متى تكونين من عمار الخرابات الوحشية، وتكون منازلك الأولى الحقية معطلة منك خالية؟!
مخ ۸۸