يا نفس! إن الأصناف الشريفة إنما وردت إلى عالم الكون لتختبره. فلما وردته وشافهت معانيه أنسيت عالمها العقلى وجهلت ذاتها الصورية. فمتى استدركت ذكر ما أنسيته فقد صارت مشافهة للعالمين جميعا ومميزة بينهما بالشرف والخساسة، وملكت التخير أن تلبث عند أيهما آثرت. فإذا أدركت ببصيرة عقلها علو المرتبة الشريفة على دنو المرتبة الخسيسة — فحينئذ تؤثر الرجوع إلى ما ناسبها بالمعنى الذى هى به، وتنفصل مما قارنها بالعرض ظاعنة عنه زاهدة فيه. — فتحققى بذلك يا نفس فإن لك تحته راحة كبيرة وفائدة عظيمة وسعادة دائمة مضيئة.
يا نفس! إن المواعظ والتنبيه صقال النفوس من الصدأ، وإن المرآة الصدئة بالعرض السريع الزوال يمكن للصيقل جلاؤها وإن المرآة التى قد قبلت الصدأ بالعرض الثابت البطىء الزوال الخارج عن حد القوة إلى حد الفعل فقد صار لها ذلك الصدأ طبعا ثانيا ثابتا مستحكما فلن ينجح فيه عمل الصيقل ولا يستخرج الصدأ منها إلا بإعادتها إلى النار. وكذلك النفوس العرضية الكدر تنجلى بالتنبيه والمواعظ فتذكر سالفات أمورها. فأما النفوس الطبيعية الكثيرة الوسخ والكدر فليس يجلوها إلا دخولها إلى رتبة العذاب وطول لبوثها فيه وترددها إليه.
مخ ۸۴