يا نفس! تأملى قولى وافقهيه واعلمى أن العقل للنفس كالأب، والطبيعة كالزوجة، وأن للنفس جهتين تميل إليها: فتارة تميل نحو العقل بالمناسبة كالمناسبة التى بين الأب والابن، وهذا هو العقل الطبيعى الحقى؛ وتارة تميل نحو الطبيعة كالعاشق الذى يعشق زوجته — وهذا هو العقل العرضى الزائل. فتأملى، يا نفس، الرجل إذا خلا مع زوجته كيف تقابله بالمداعبة والضحك والملق وتكلمه بألطف ما يكون من الكلام وأرقه. وليس ما تبدى من ظاهرها كباطنها، لأنها إنما تفعل ذلك لتستعبده وتستعمله فى أغراضها وتشافه به المهالك. فانظرى يا نفس إلى فعل الزوجة كيف تسقى العسل مخلوطا بسم قاتل ردىء العاقبة. ثم تأملى، يا نفس، الرجل إذا خلا مع ولده كيف يقابله بالعتب والتوبيخ ويكلمه بأمر الكلام وأخشنه. وليس ظاهر ما يبدى من ذلك كباطنه، لأنه إنما يريد بذلك تشريفه ومنفعته فى جميع حالاته. فانظرى يا نفس إلى فعل الأب: كيف يسقى الدواء المر الكريه لولده مخلوطا بالصحة والحياة وحسن العاقبة! فتفهمى يا نفس هذه المعانى: فما كان حقا فخذيه، وما كان باطلا فدعيه واطرحيه.
يا نفس! إنما لك أخاطب، وإليك أشير، وإياك أريد! إنما الطبيعة زوجتك، والعقل أبوك؛ وإن لطمة من أبيك خير لك من قبلة من زوجتك.
يا نفس! إنه لا بد لك من أبيك، لأنه لا شىء يقطع المناسبة بينك وبينه ألبتة: لا الفرقة ولا الاجتماع ولا الغضب ولا الرضا، بل المناسبة ثابتة على كل حال لا يمكن زوالها، لأنه قد يمكن أن يخلى الرجل زوجته فتنقطع علائقه منها، ولا يمكنه أن ينتفى من أبيه ويأخذ له أبا غيره.
يا نفس! إنه بطاعتك للعقل تحيين وتشرفين، وبعصيانك إياه وطاعتك للطبيعة تموتين وتنحسين. فتصورى يا نفس حقيقة هذه المعانى وتمثلى بها — توفقى للسعادة وتستكملى الرشاد.
مخ ۸۲