يا نفس! هذه رتب ثلاث — فكونى على أشرفها وأجملها: فأدناها رتبة رجل عالم غير عامل، ومثل ذلك كرجل ذى سلاح لا شجاعة فيه. وما عسى يصنع الجبان بالسلاح! والرتبة الثانية: رجل عامل غير عالم — وهو كرجل شجاع لا سلاح له — فكيف يلقى عدوه من لا سلاح معه! غير أن الشجاع على السلاح أقدر من الجبان على الشجاعة. وكذلك عامل غير عالم أشرف من عالم غير عامل. والرتبة الثالثة هى رجل عالم عامل: فهو كرجل ذى شجاعة وسلاح. وهذه ينبغى أن تكون الرتبة الشريفة.
يا نفس! إن القمر نير ما دام يرد إليه نور الشمس. فإذا عرض له أن يحول بينهما ظل الأرض انخسف وأظلم. فكذلك النفس نيرة مضيئة ما دام يرد إليها نور العقل. فإذا توسطت أسباب الكون والفساد حيلانا بينهما عدمت النفس نورها فانكسفت وأظلمت. وكما أنه ما دامت الأرض فى وسط العالم لن يعدم القمر الخسوف، فكذلك النفس ما دامت ملازمة الطبيعة لن تعدم الظلمة والأذى. — فقد تبين من هذا الشرح أن راحة النفس فى مفارقتها للطبيعة والتحول عن هذه الدنيا عاجلا.
[chapter 5: 5] الفصل الخامس
يا نفس! إن العقل ليس هو شيئا غير التصور والتمثل. وأى نفس عدمت التصور والتمثل فقدت ذاتها. ومن فقد ذاته فهو ميت.
يا نفس! إن التصور والتمثل هو العقل الذى هو الحياة الدائمة والتلذذ؛ والتنعم بالدنيا هو الموت الدائم. فلا تؤثرى مزايلة الحياة الدائمة على مفارقة الموت الدائم فتهلكى.
مخ ۷۳