يا نفس! لا تخرج بك شدة الحذر وإفراطه إلى حد الجبن فتعدمى الشجاعة وشرفها، وتكتسبى الدناءة وخساستها. واعلمى أن كل شىء مستمد هو غير ذات، وإن كان غير ذات فمحتاج إلى المادة، وأن كل محتاج إلى المادة فمادته متوالية به دائما طول مدته المقسومة له. فتيقنى يا نفس هذا، فإن لك تحته راحة كبيرة وفائدة عظيمة.
يا نفس! تمسكى بالتدبير الجزئى على حسب الإمكان. فإن تدافعت بك الأمور إلى جهات التدبير الكلى فارضى بذلك واطمئنى إليه، واعلمى أن بذلك يسقط عنك ثقل الاهتمام والتكلف: كرجل تكلف مصباحا يستضىء به فى طول الليل وظلمته؛ فلما طلعت الشمس استغنى عن المصباح وزال عنه ثقل التكلف.
يا نفس! لا تقترنى بدنيئات الأمور وخسائسها فتلزمك العادة بذلك وتكتسبى طبعا مخالفا لطبعك، فتعدمى بالانصباب إليها الرجوع إلى وطنك. واعلمى أن مبدع الأشياء — جل وعلا — هو أشرف الأشياء كلها. فاقترنى بشرائف الأشياء لتقربى من بارئك بطريق المجانسة، واعلمى أن شرائف الأشياء منضافة إلى شرائفها، وأن خسائس الأشياء منضافة إلى خسائسها.
مخ ۶۸