يا نفس! هذا عالم الطبيعة وهو محل الفقر والخوف والذل والحزن، وهذا عالم العقل وهو محل الغنى والأمن والعز والسرور. وقد شافهتهما جميعا وشاهدتهما، فتخيرى على خبرة منك، واعلمى أنك لابثة فى أيهما شئت غير مدفوعة ولا ممنوعة. واعلمى أن من الممتنع أن يكون الإنسان فقيرا غنيا، خائفا آمنا، عزيزا ذليلا، مسرورا حزينا. وإن كان هذا هكذا، فكذلك لا يمكن أن يجمع الإنسان حب الدنيا وحب الآخرة، بل ذلك من باب الممتنع أشد الامتناع.
يا نفس! إنه من نزع سلاحه وكف نفسه واستسلم لعدوه وجب أسره. ومن قاتل بسلاحه وحمى نفسه ولم يستسلم لعدوه، وجب قتله. وأى نفس وردت إلى عالم الطبيعة فلا بد لها أن تسلك إحدى هاتين الحالتين: إما القتل، وإما الأسر. فمن اختار الأسر فقد اختار طول العذاب وهوان الاستعمال وذل العبودية. ومن اختار القتل فقدمات عزيزا وكان موته حياة له واستراح من الأسر وهوانه وطول ذله.
يا نفس! متى نويت ترك الأفعال الخسيسة الدنيئة فاقصدى نبعها واجتنبيه وهو حب الدنيا. ومتى نويت الأفعال الشريفة الإلهية فاقصدى أصلها واغرسيه وربيه، وهو الزهد فى الدنيا؛ وليكن فعل ذلك بريئا من النفاق والتمويه.
مخ ۶۷