مؤسس مصر حديثه

علي احمد شکري d. 1360 AH
51

مؤسس مصر حديثه

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

ژانرونه

وليس من ريب في أنه لو التقى باليونانيين للقي حتفه حتما، ولكنه عرض نفسه لخطر أكبر آخر؛ ذلك أن الرعب استولى على الإسكندرية عندما أصبح الأهالي في اليوم التالي لسفر محمد علي ووقعت أنظارهم على أسطول مركب من 40 سفينة حسبوها لأول وهلة سفن اليونانيين، وأنهم عادوا لتجديد الهجوم على الثغر بكامل قوتهم، ولكن تبين فيما بعد أن هذه عمارة قبطان باشا ونقالاته، وقد أرغم بسبب نفاد المئونة والذخائر على التخلي عن الجنود التي كانت تحاصر ميسولونجي، والتي كانت مهمته أن يحمي ظهرها من ناحية البحر. وأغلب الظن أن وصوله إلى الإسكندرية لم يخفف القلق الذي استحوذ على قلوب الأهالي أو الوزراء، وقد بادر الأخيرون إلى عقد جلسة مستعجلة استشاروا في خلالها قنصلي بريطانيا وفرنسا العموميين في ما ينبغي اتخاذه من الإجراءات؛ فتقرر السماح بدخول الأسطول التركي إلى الميناء ومنع قبطان باشا من النزول إلى البر منعا باتا، وطارت الإشاعات حتى وصلت القاهرة بأن قبطان باشا فصل سبعا من سفنه وكلفها بسد مدخل فرعي النيل عند دمياط ورشيد، وأنه عقد النية على أسر محمد علي فيما لو مكنته الظروف من ذلك.

12

وقد استولت على القنصلين الإنجليزي والفرنسي الدهشة لمخاطرة محمد علي وتوغله في البحر على ظهر سفينة واحدة لا تحرسها سفن أخرى في وقت كانت فيه زبدة جنوده وخيرة قواده منهمكين في الحرب في شبه جزيرة المورة. وقد تنفس الناس الصعداء عندما علموا أنه قد عاد إلى الميناء ودخلها في جنح الظلام ليلة 20 أغسطس واتجه مباشرة إلى قصر رأس التين قبل أن يشعر به أحد.

ومهما تكن نيات خسرو باشا عندما جاء إلى الإسكندرية، وألفى عدوه القديم متغيبا عنها؛ فإنه سرعان ما غطى تلك النيات بما قدمه من التهاني الحارة لمحمد علي بمناسبة عودته. وأرفق هذه التهاني بأن طلب باسم الباب العالي بلهجة الأدب والاحتشام أن يقدم له الباشا ما في وسعه من المساعدة في المال والذخائر، لا بل إنه حرص على أن يكون هو البادئ بزيارة الباشا وتقديم التحية له، وقد استقبله محمد علي عند الرصيف وذهبا إلى القصر معا، وما كادا يصلان إلى قاعة الاستقبال حتى بادر كل منهما بدفع الآخر دفعا رقيقا لإجلاسه على كرسي الشرف، كما أن كلا منهما حاول اختطاف المذبة لطرد الذباب عن وجه الآخر. ثم صدرت الأوامر بتقديم المئونة إلى الأسطول وسلم محمد علي إلى خسرو نحو 80000 دولار لدفع مرتبات بحارته،

13

ولما كان موعد الرحيل في أكتوبر افترق الرجلان وكأنهما أخوان شقيقان، وقد صحبت خسرو سفن محمد علي الجديدة وعدد وافر من الجيش أي نحو 1500 جندي راكب و8000 من المشاة. وقد قصد محمد علي أن يعزز مركز ابنه إبراهيم في المورة، وأن يشترك في حصار ميسولونجي التي ظل الأتراك طيلة الشهور الستة الماضية يهاجمونها عبثا،

14

وقد كللت هذه الإجراءات بالنجاح، فإن إبراهيم عهد إلى الكولونيل سيف بالقيادة في المورة واتجه هو إلى ميسولونجي. وقد تمكن الأتراك بفضل معونة إبراهيم هذه من مهاجمة المدينة والاستيلاء عليها عنوة في مستهل عام 1826م، ثم تلا هذا الفوز فوز آخر بمحاصرة أثينا نفسها والاستيلاء عليها. وهكذا كانت قوة اليونان آخذه في الانهيار؛ فبعد أن تمكنت من هزيمة الأتراك أناخ عليها إبراهيم باشا وتمكن من سحقها بفضل الجنود النظاميين الذين دربهم أبوه، وبفضل السفن التي حشداها سويا.

وقد ثمل محمد علي بما أحرزه من النصر في كل من بلاد العرب وبلاد اليونان، حتى خيل إليه وقتئذ أنه ليس ثمة ما ينبغي أن يحول دون توسع سلطانه، ثم حدثته نفسه بإبلاغ جيشه المنظم إلى 100000.

وما كاد محمد علي يفرغ من قمع الفتنة في المورة حتى رأى نفسه مطالبا بأن يسلم هذه البلاد القاحلة إلى سيدها الشرعي، أي المولى الأكبر واسترجاع جنوده وسد ما حدث في الصفوف من الفراغ، كما رأى نفسه مطالبا بفتح اليمن والاستيلاء على شواطئ البحر الأحمر وتوطيد دعائم الأمن في الخليج الفارسي مع احتلال ولايتي عكا ودمشق.

ناپیژندل شوی مخ