منزلة بل يراه قليلا ، ويرى نفسه بإنفاقه قليلة حقيرة ، ولا يرى بإنفاقه لنفسه منزلة وفضلا على الفقير الذي أطعمه، ويرى الفضل لمن آكله يشكره على أكله، ويعتذر إليه من تقليله وتهجمه، والفقير لا يقبل إلا لقلب هذا العبد الصالح، ويرى منة الله تعالى عليه لسياقة هذا الرزق إليه، فكل منهما قد يثاب على إنفاقه وبذله، وهذا يثاب على قبوله وتناوله، إذ كل منهما له فيما عمله قصد صالح وعمل صالح، ولا يأكل الفقير طعام أهل النفوس الحارة ، العامية طباعهم، الثقيلة أنفاسهم، الذين يذكرون ما أنفقوا، ويمنون بلسان حالهم، وإن لم يقولوا بألسنتهم، وإن كانوا عبادا صلحاء فإنهم أهل نفوس تثقل نفوسهم في طعامهم، فمثل طعام هؤلاء سم يضر القلوب ويوهنها بل ربما كان أكل الشبهة ممن عنده أهلية ورياضة، أقل ضررا من الحلال إذا كان الباذل له صاحب نفس ثقيلة، ولهذا قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: (جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان) ، فقد تعارض في هذا الشبهة والمنة ، فاختار الشبهة لما له فيها من الحق في بيت المال على المنة التي تضر القلوب وتشغلها، وهذا من دقائق علوم أهل الله وخاصته والصفوة من عباده.
ومن شرط شيخ السلوك أن يكون قلبه متصلا بالله تعالى، وأنفاسه محفوظة مع الله عز وجل، قد أشهده الله تعالى مشاهد الإلهية، ومشاهد الربوبية، ومشاهد الجمع وحققه بمشهد الفردانية وعمر وجوده بأنواره، وصار له نصيب من القرب الخاص والمحبة الخالصة، وأوقفه الله تعالى على الفرق بين دقائق التوحيد ودقائق الاتحاد ، وعرف المداخل والمخارج، والقوادح والقواطع، والنهايات والحقائق، والتهب باطنه بالمحبة الخاصة من أنوار الله المخزونة ، فإذا عرفه المريد أوقفه على مقام مقام ، وسار به إلى موطن موطن، بشرط الموافقة من المريد وحسن الاعتقاد، وترك الاختيار ، وحسن الانقياد والاستسلام، فيتخلص المريد بصحبته من حجب النفوس الكثيفة، ثم من حجبها اللطيفة، ثم من حجب القلوب وأنوارها، فيخلص إلى فضاء الوجدان، ومباشرة الروح صريح الفتوح، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
مخ ۲۴۱