قصدا، فإن اندفع وإلا صار عملا ظاهرا بالجوارح، فيعصي العبد بذلك ربه.
فهذه قاعدة عظيمة النفع من عرفها وكابد نفسه فيها استقام باطنه، واستقام ظاهره لاستقامة باطنه، فإن القلب إذا صلح صلح الجسد كله، وبها يعرف الإنسان كيف تنشأ المعاصي ، فجميع المعاصي والطاعات هكذا تنشأ مبدأ من الخواطر، فلا يزال هذا الشيخ يتقي الله في ظاهره وباطنه حتى يملك ظاهره بالمحاسبة ، ويملك باطنه بالمراقبة ، فيصير القلب كالكوكب الدري في أفق السماء ، تتلألأ فيه الأنوار بمشاهدة الأذكار، ومتى لم يكن الشيخ بهذه المثابة لا يصلح للمشيخة، لأنه يريد أن يأخذ المريد في هذه الطريقة، وهو لم يحكمها ولم يحقق عملها فكيف يقدر على أن يسوس المريد فيها.
الركن الثاني من أركان الطريق بعد تحقيق التقوى يكون الشيخ المذكور قد حقق الزهد في الدنيا، فتكون نفسه ساكنة، غير متحركة إلى طلب الدنيا من مالها وجاهها، ففي الناس من يكون ساكنا عن طلب المال تحركا إلى طلب العلو والرفعة والاستتباع، يحب أن يطأ عقبه الناس، وينكسر إذا لم ير وراءه أحدا، فهذا طالب رئاسة ، وهي من أغلى مطالب الدنيا ، فقد يبذل المال لطلب الرئاسة، قال تعالي: ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) ومن لم يتحقق التقوى والزهد في فضول الدنيا، من مالها وجاهها، كيف يلج قلبه ملكوت السماء ? وكيف يذوق الحب الخالص الملهب للأرراح ? هذا مستحيل ، ومن لم يلج قلبه ملكوت السماء، ولم يكاشف بالمحبة الخالصة كيف يصلح للمشيخة ?!، وهو يريد أن يأخذ المريدين في طريقها ولم يبلغها هو.
فصل
ومن شرط شيخ السلوك أن يكون متعففا، غير طامع في فتوح الناس، وإن كان ذا سبب كان أكمل بحاله، وأن لا يقبل الفتوح من كل أحد، ولا يأكل طعام كل أحد، ولا يأكل إلا طعام من يقصد الله تعالى بإنفاقه، ولا يكون لما أنفقه في قلبه
مخ ۲۴۰