مصر له ناصره نیولې تر جنګه
مصر من ناصر إلى حرب
ژانرونه
كان من المفترض أن تسير الوفود الأجنبية خلف عربة المدفع، ولكن هيهات؛ لقد اندفعت الجماهير العارمة التي لا يعرف أحد من أين جاءت. كان من المستحيل تدارك الأمر. في الواقع، كنا نندمج في الموكب بقوة، وسرعان ما ازداد الزحام. كان الناس يتدافعون وهم يخشون السقوط على الأرض. إن سقوط المرء هنا معناه أن تسحقه الأقدام حتى الموت. حملت الجماهير ألكسي كوسيجين إلى مكان ما في الأمام بعيدا عنا، أما أنا فقد احتواني زحام أشبه ما يكون بالدوامة. وها أنا أرى ثلاثة وجوه شاحبة كساها الرعب أعرفها جيدا هم رؤساء وزراء تركيا وإيران وأفغانستان؛ ديميريل وهويدي وإعتمادي، دفعت بهم الحشود بعيدا تماما، تماسكت موليا ظهري بقوة في مواجهة القادمين من خلفي مفسحا بمرفقي طريقا لنفسي، متشبثا بأقدامي في الأرض بكل قوة. كنت مدفوعا من الخلف، وبفضل دفاعي توفرت أمامي مساحة صغيرة من الأرض اندفع إليها رؤساء الوزراء الثلاثة.
كان موكب الجنازة يتحرك على نحو عشوائي؛ تارة في هذا الاتجاه وتارة في اتجاه آخر، تارة تندفع إلى الأمام، وتارة أخرى تتوقف تماما، وقد تعالى الصراخ والعويل. وفجأة يتوقف الموكب من جديد. صيحات قوية. وإذا بنا أمام مجموعة من الأفراد قادمين من الاتجاه المعاكس. كانوا يلوحون بأيديهم يطلبون أن نفسح لهم الطريق. ومن ورائهم بدا جمع آخر يرفع كرسيا جلس عليه السادات مغمض العينين دون حراك، وقد راحت ذراعاه تتأرجحان في الهواء. كان على الموكب أن يتوقف إذ كان التقدم أمرا لا جدوى من ورائه. ضاع رفاقنا في الزحام. تلفت حولي؛ السادات حملوه إلى البيت. ترى ما الذي حدث للرئيس الجديد؟ في الأمام، راحت الجموع الغفيرة الباكية في التراجع وسط عمود كثيف من التراب، أما خلف الجسر فكان هناك ما يقرب من مليون من البشر لا يزالون يحتشدون.
أبعد الضيوف الأجانب إلى مدخل الجزيرة ونصحوهم بعدم الاستمرار في السير لخطورة الموقف. أبلغت ألكسي كوسيجين بما حدث للسادات، فعبر عن دهشته وأرسل على الفور رئيس قسم المراسم في وزارة خارجيتنا ب. ل. كولوكولوف وكان ضمن الوفد، للاستعلام عما حدث، لكن المصريين تكتموا الأمر، ثم أبلغونا «سرا» أن السادات في حالة سيئة، فضلا عن علي صبري أيضا الذي ساءت حالته قبل ذلك بمجرد وصول النعش وبداخله جثمان ناصر، وأن الأخير تحت الرعاية الطبية، وقد ازدادت حالة السادات سوءا عندما اكتشف غياب نائب الرئيس. وقد أحضروا السادات إلى الغرفة التي يرقد فيها علي صبري. رقد الرجلان في غرفة واحدة وكان كل منهما يختلس النظر إلى رفيقه بين الفينة والأخرى، وتوجها بالشكر إلى الرفاق السوفييت على اهتمامهم.
عدنا بعد ذلك إلى السفارة على متن الزورق البخاري.
في اليوم التالي، الثاني من أكتوبر، عقدت القيادة المصرية لقاءات عمل مع الوفد السوفييتي. أود أن أطرح هنا بعض الملاحظات؛ فقد أكد الجانب السوفييتي من جديد أن خطنا في تطوير التعاون قائم بيننا كما كان في عهد ناصر، قويا مخلصا، وأن يكون قادرا على الاستمرار، بطبيعة الحال، في إطار المصالح المتبادلة. وقد أعرب ألكسي كوسيجين عن إيمانه بأن القيادة الجديدة للبلاد سوف يكون باستطاعتها القضاء على الفكرة التي يروجها أعداء مصر حول إمكانية حدوث فراغ في كل من السلطة والأفكار والحسم في اتخاذ القرار. إن النهج الثابت والمستمر لقضية ناصر، إلى جانب التفاف القيادة بأكملها حول هذا النهج الذي يؤيده الشعب، واحترام العالم أجمع لمصر والعمل المنسجم للقيادة، سوف يساعد بلا شك على تجاوز كل المصاعب بما فيها إزالة آثار العدوان الإسرائيلي عام 1967م.
وفي معرض رده على ألكسي كوسيجين أكد السادات أن ناصرا هو صديقه وأخوه ومعلمه، وأن القيادة المصرية لن تسمح بوقوع أية صراعات، وأن الصداقة مع الاتحاد السوفييتي، وهي ميراث ناصر، سوف تزداد قوة ومنعة. وقد تناولت اللقاءات أيضا عددا من القضايا العملية التي تمس العلاقات بين مصر والاتحاد السوفييتي، وقيام بلادنا بالمساعدة في حل عدد من المشكلات.
وفي اليوم التالي غادر الوفد السوفييتي مصر في طريقه إلى موسكو. عدت إلى القاهرة في الثالث عشر من أكتوبر بصحبة زوجتي بصفتي سفيرا مفوضا فوق العادة للاتحاد السوفييتي لدى جمهورية مصر العربية. استقبلني في المطار معارفي القدامي الرفاق؛ المستشار السفير فلاديمير بولياكوف والمستشاران فاديم كيربيتشينكو، ألكسندر أرلوف، بافل أكوبوف، والملحق العسكري بحري نيكولاي إيفلييف. أود أن أذكر هنا أن هؤلاء الرفاق المخلصين كانوا جميعا من المختصين البارزين، وإلى جانبهم كان هناك أيضا عدد من الدبلوماسيين الشباب، ولكنهم كانوا هم أيضا على درجة كبيرة من الكفاءة؛ مثل يوري كابرالوف، فافا جوليزادي، روبرت توردييف، شكلوا جميعا العمود الفقري للسفارة، الذي حمل على عاتقه العبء الأكبر للعمل المضني على مدى السنوات التالية، عندما بات من الواضح تماما أن الرئيس السادات قد انتهج نهجا مخالفا للنهج الذي سار عليه ناصر، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، فتحول بمصر من معسكر المناضلين النشطاء ضد الإمبريالية إلى داعم لها وخاصة للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن إدراك هذا النهج واتخاذ الإجراءات المناسبة تجاهه في الوقت المناسب لم يكن أمرا سهلا. كان على السفارة أن تعاني كثيرا من المواقف الصعبة لاحقا.
2
بعد عشرة أيام من وصولي إلى القاهرة، وبعد عدد من المذكرات، أبلغتنا وزارة الخارجية المصرية أن الرئيس السادات مستعد لقبول أوراق اعتمادي. تمت المراسم آنذاك في جو غاية في البساطة، بل إنه لم يؤخذ في الاعتبار تبادل الكلمات على النحو التقليدي المتبع. على أن الحدث لفت انتباه وسائل الإعلام فامتلأت قاعة الاستقبال في قصر القبة - المقر الرسمي للرئيس المصري - بالمصورين ومصوري السينما والتليفزيون. انتهزت هذه الفرصة لألقي كلمة أوجزت فيها العلاقات الأخوية التي تربط الاتحاد السوفييتي بمصر، وعن تعاطفنا العميق تجاه الشعب المصري، وثقتنا في استمرار العلاقات بين بلدينا على نفس النحو المثمر كما كانت على عهد الرئيس الراحل ناصر، وأكدت في كلمتي على استعداد بلادنا لدعم مصر وقيادتها في المجالات جميعا، ودفع التعاون بين البلدين قدما. وقد رد الرئيس السادات بكلمة مقتضبة أعرب فيها عن تأكيد متانة علاقات الصداقة المصرية السوفييتية.
ناپیژندل شوی مخ