279

مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

ژانرونه

أي من بلد الإسكندر، رجل مثله يفتخر بأنه ولد في ذات السنة التي ولد نابليون فيها، ويتلذذ جدا لدى سماعه الغربيين يشبهونه به ويلقبونه «نابوليون الشرق»، رجل مثله نرانا - إذا سلمنا بمبدأ القائلين بتعدد الأعمار، وعود الإنسان بعد موته مرارا عديدة إلى الوجود الأرضي حتى يبلغ درجة الكمال، فينتقل حينئذ بدون رجعة أرضية إلى عالم أرقى من عالمنا هذا، وهو مبدأ البوذيين - نميل إلى التسليم فعلا بأنه قد يكون (بطليمس صوطر) أو (بطليمس فيلاذلفس) المجيدين، لأن ملكه كملكهما أعاد الحياة إلى مصر، واختط لها سبيل وجود جديد، ولأنه تحلى مثل كل منهما بمزايا رجولية باهرة، لا بد لها من جعل اسمه ممجدا كاسميهما على ممر الدهور، رجل مثله لم يكن ليرضيه إلا أن يسير أعلامه حيث سير أولئك الأماجد أعلامهم، وأن يجعل بلاد السود دون غيرها موطنا لشهرته، ومجالا لأعماله، فيهمل الميدان الشرقي الذي كان لا بد لفعاله فيه من الدوي في آذان عموم العالم المتمدين، وحمل أقوامه، مانحي الشهرة، وضافري أكاليل المجد الأبدية، وحدهم، على التحدث بها، وتعطير صفحات التاريخ المستقبل بشذا تكبيرهم إياها، وتعظيمهم البطل الذي تمت على يديه.

فمع استمراره على الرغبة في الجنوب، ليتخذ على الأخص من سوده جنودا للجيش الذي شرع ينشئه على النظام الأوروبي، لم يعر ميدانه أهمية كثيرة، وإنما أبقاه في قبضة يده؛ لأنه كان من طبيعته ضنينا بملك آل إليها أن ينفلت منها. ولم يكن اهتمام خليفتيه (عباس) و(سعيد) بذلك الميدان أكثر من اهتمامه، بل إن (سعيدا) - على ما رأينا - فكر وقتا ما بالتخلي عنه بالكلية.

فلما آل الأمر إلى (إسماعيل)، وكان قد عرف شيئا عن السودان أيام أن أخمد - وهو ولي العهد، وسردار الجيش المصري - الثورة التي أهاجتها بعض قبائل عربية على حدوده، نظر إلى الميدان الجنوبي بغير العين التي كان جميع أسلافه ينظرون إليه بها، وأدرك في الحال ما لم يدركه جده العظيم والفراعنة الكبار قبله، أنه الميدان الحقيقي الذي يحسن بمصر أن تنشر فيه جهودها الفاتحة الممدنة؛ لأنه الميدان الوحيد الذي لا يزاحمها أحد عليه، بل الميدان الوحيد المحتاج إلى عمل من الخارج يزيح عنه سدول الجهل والوحشية، وينشر فوقه أعلام العرفان والعمران.

فأجال نظره في أطرافه الشاسعة المترامية، وشخص مليا إلى بقاعه المتعددة المختلفة، الكثيرة الخيرات بالرغم من الفوضى السائدة عليها، المنتظرة الاستعمار، والطالبة النظام، لتزيد تلك الخيرات مائة ضعف، وتأمل فيما قد تئول إليه مصر من عز وسؤدد لو أتيح لها أن تتوغل، بحدودها الجنوبية، إلى الجنوب تباعا، وتمد ظل سلطانها بالتدريج من غربي ذلك الميدان إلى شرقيه، متقدمة ومصباح المدنية والعمران في يديها، فتقيم سلطنة عظيمة، تمتد من البحر الأبيض إلى خط الاستواء، ومن بحر القلزم إلى أقصى متاخمات الصحراء، سلطنة تتضاءل أمام اتساعها الذي لا حد له نفس الممالك العثمانية الشاهانية، ولا تضارعها فيه إلا دول معدودة على سطح البسيطة.

3

فوقع في خلده في الحال وجوب العمل على تحقيق هذه الأمنية الجلى، للفوز بمجد فذ لا يشاركه أحد فيه، ولرفع منار مصره، بصفتها ممدنة الجنوب أجمع، فوق منار كل دولة شرقية سواها، ومتى تحققت تلك الأمنية تماما، وأصبحت الخديوية المصرية ثابتة الأركان، من شمالي القارة الإفريقية إلى أواسطها، يمتد سلطانها على واحد وثلاثين درجة من خطوط العرض، وعشر درجات من خطوط الطول، من يدري ماذا يمكن لها حينئذ أن تعمل من الأعمال في مسرح العظمة البشرية، وماذا يمكن لها أن تنال من التحقيقات في ميدان آمالها القومية، وماذا يكون مآل علاقاتها بتركيا، الزاعمة حق السيادة عليها؟!

وكان حكمدار عموم السودان حينما ارتقى (إسماعيل) عرش جده موسى باشا حمدي، وهو رجل مشهور، قمع عدة ثورات محلية في كردوفان وتقلى، وسن قوانين جديدة لجمع الضرائب، فأعطى كل فلاح «سركيا» بيده، ليدفع ما جعل عليه من الأموال على ثلاثة أقساط معينة في السنة، فكلما دفع قسطا قيد له في «سركيه»، قيده في يومية الصراف، وجعل من الأهالي نظار أقسام ومعاونين، وأمرهم فلبسوا الملابس العثمانية، فحسنت بذلك الحال، وسهل تحصيل الأموال، فأصبح اسمه معروفا في البلاد، وشخصه محبوبا من العباد، فأنعم (إسماعيل) عليه برتبة فريق، واستدعاه إليه ليوقفه على حال تلك الديار، فذهب موسى باشا إلى مصر في 10 يولية سنة 1863، وأدى واجب الشكر لمولاه على النعمة التي أسبغها عليه، ثم أوقفه على حقيقة حال الجنوب، وعاد مزودا منه بتعليمات إلى الخرطوم، فأخذ يزيد عدد جنده هناك حتى بلغ الثلاثين ألفا من نظامية وباشبوزق، وسار بالبلاد على أحسن نظام، ممهدا السبل لتحقيق مرامي مولاه، جامعا القلوب على حب أحكامه.

وكان على جبال تقلى، في أيام موسى باشا، ملك يقال له «ناصر» اشتهر بالقسوة والوحشية، فكان إذا غضب على شخص وضعه عاريا مكتوفا على حجر محمي حتى يموت. ويحكى أن صائغا من صاغة الأبيض سمع بقسوته، وهو يذيب فضة على النار، فلما سالت قال: «حق هذا السائل أن يصب في أنف الملك ناصر، جزاء قسوته وظلمه.» فبلغ الخبر الملك ناصرا، فعزم على الإيقاع به، وأركن إلى الحيلة، فأرسل إليه أربع جوار هدية، وسأله أن يحضر مع الرسول إلى الجبل ليصوغ بعض الحلي لنسائه، ووعده بمكافأة جليلة، فذهب الصائغ فأعطاه بعض الفضة والذهب فصاغها له، ثم أعطاه فضة وسأله أن يذيبها على النار، ولما سالت قال له: «أتذكر أنك اشتهيت مرة في الأبيض أن يصب مثل هذا السائل في أنفي؟» فسكت الصائغ وألجم لسانه، فأمر ناصر بعض العبيد فقيدوه، ثم أخذ الفضة وصبها في أنفه وهي محماة، فتورم دماغه، ومات لساعته، ولكنه ما لبث أن وقع خلاف بين ناصر وابن عم له اسمه آدم دبال، ولما كان أهل ناصر قد سئموه لكثرة ظلمه وقسوته، نصروا ابن عمه عليه، ففر بعائلته إلى موسى باشا في الخرطوم، فأرسله إلى (إسماعيل) بمصر.

ووقع في تلك الأثناء، في بادية كردوفان، حرب شديدة بين عربان حمر وقائدهم الشيخ مكي ود المنعم، وبين عربان الكبابيش، وقائدهم الشيخ فضل الله ود سالم، اشتهرت بحرب «العقال»؛ لأن كلا الفريقين جمع رجاله وأولاده إلى ساحة الحرب ، وعقل الإبل، وعول على النصر أو الموت، وتقاتلا طويلا، مستقتلين، فانتصر الحمر، وغنموا نحاس الكبابيش وأموالهم.

وفي أواخر أيام موسى باشا ثار الجهادية السود في كسلا ثورة أدت إلى سفك دماء كثيرة، واستغرقت عدة شهور، وكان السبب فيها سوء إدارة القواد، وتأخرهم عن دفع مرتبات الجند. وتفصيل ذلك أنه كان في استحكام كسلا آلاي فيه نحو أربعة آلاف من الجهادية السود، ومعهم نحو ألف نفر من الباشبوزق الأتراك والشايقية، وكان المدير على البلد إبراهيم أدهم بك، فخطر له في مارس سنة 1865 أن يرسل غزوة على جبال البارية والبازة، فأصدر أمره لأورطة من الجهادية، وبعض الباشبوزق بالتأهب لها، فرفضوا الأمر وقالوا: «لا نسافر حتى نقبض المتأخر من رواتبنا.» فلما بلغ قولهم قومندان الأورطة، واسمه خطاب أفندي، غضب وقال: «أأصبح للعبيد شأن يعصون به الأمر؟ فوالله لأسوقنهم للغزوة بالسياط.» فازداد السود تصلبا وعنادا، ولما جاء الميعاد المضروب خرجوا من الاستحكام، ووقفوا عند الباب المسمى باب سبدرات «طابورا»، وجمعوا أسلحتهم أمامهم كوما، وأرسلوا يخبرون قومندانهم أنهم لا ينتقلون من مكانهم حتى يقبضوا رواتبهم بتمامها، وإن كان لم يزل ينوي تنفيذ أمره بالسياط - كما قال - فليفعل، فجاءهم خطاب أفندي على جواده، ونادى بهم «سلاح آل»، فهجموا عليه، وأوسعوه شتما وضربا بالعصي، ونساؤهم من ورائهم يشجعنهم ويزغردن لهم، فلجأ خطاب أفندي إلى الفرار، وأخبر المدير بما كان، فاهتم للأمر، وخشي امتداد الثورة إلى الآلاي كله، وكانت الذخيرة بيد ملازم منهم، فأخرجها من يده، وسلمها إلى ضابط من ضباط الباشبوزق الأتراك، وجمع التجار المغاربة وأهل البلد، فسلحهم وضمهم إلى الباشبوزق، وفرقهم على أبراج السور.

ناپیژندل شوی مخ