280

مصر په عهد خدېوي اسماعيل باشا کې

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

ژانرونه

أما العصاة فإنهم حملوا سلاحهم، وساروا في وجوههم نحو سبدرات، وكان قومندانهم قد وجه إليها بعض العسكر الباشبوزق بمدفعين، وستين صندوقا ذخيرة محملة على ثلاثين جملا ليتقدموا الغزوة، فأدركهم العصاة في الطريق، واستولوا على الذخيرة والمدفعين بعد أن فتكوا بالعساكر، وضربوا قائدهم السرسواري سعيد أغا أبا فلقة، فأثخنوه وتركوه بين حي وميت، ونزلوا في سبدرات.

فعقد المدير ناديا من الضباط والتجار والأعيان للنظر في أمر الأورطة، فأقروا على أن يرسلوا إليهم رواتبهم المتأخرة، ويتداركوا أمرهم بالتي هي أحسن، حتى تطمئن نفوسهم، ثم ينفذون فيهم رأيهم، ففعلوا. وكان في كسلا إذ ذاك الأستاذ السيد الحسن ابن الأستاذ السيد محمد المرغني، مؤسس الطريقة المرغنية في السودان، فتكفل بالأمر فحملت النقود له، فذهب بها إلى سبدرات، ووزعها على العصاة بالتساوي، فأصاب كل منهم أربعة ريالات، ثم عنفهم على مسلكهم، وطلب إليهم أن يرجعوا إلى كسلا فرضوا على أن يكون غير خطاب أفندي قومندانا عليهم، فعاد الأستاذ إلى كسلا وأخبر المدير بما كان، فأرسل إليهم عثمان بك قائمقام العساكر ليقودهم، ويغزو بهم الجبال، فقابلوه بالطاعة، وساروا معه في الغزوة، فأقاموا فيها ثلاثة أشهر، وعاد بهم إلى كسلا.

وكان المدير قد كتب في أثناء ذلك إلى اللواء حسن باشا في الخرطوم يخبره بما حدث، فأرسل حسن باشا الميرالاي عليا أبا ودان بك لاستلام قيادة الآلاي، ثم حضر بنفسه على الأثر للنظر في الأمر، فوصل كسلا قبل رجوع الأورطة بشهر. فلما حضرت عقد مجلسا سريا للنظر في أمرها، فاتفق الرأي على أن يوزعوا العساكر على عربان الهدندوة، بحجة جمع الضرائب، ثم يأمروا العربان بالقبض عليهم. فصدر الأمر للأورطة فخرجت إلى الميت كناب بقيادة الميرالاي علي أبو ودان بك، وأمر علي بك ضباطها - وكان أكثرهم من المصريين - بالتفرق بين القبائل لجمع الضرائب، فأدرك العساكر أن في الأمر دسيسة، ورفضوا السفر، ولما أغلظ لهم الضباط في الكلام هجموا عليهم، وقتلوا أكثرهم، وانتشروا في البلدة فنهبوها، وانقلبوا راجعين إلى كسلا.

أما علي أبو ودان بك، فإنه نجا منهم بكل مشقة، وخف إلى كسلا، فوصلها قبلهم، وأخبر اللواء والمدير بما كان. فبعد أن فارقا منزليهما داخل الثكنة، ودخلا ديوان المديرية بعائلتيهما، أخذا يستعدان لملاقاة العصاة. وكان السرسواري سعيد أغا قد شفيت جراحه، فأمراه بالمحافظة على الذخيرة مع عساكره، وجمعا الأسلحة من الأورط الثلاث الباقية في كسلا ووضعاها في الثكنة بدلا من وضعها في خزينة السلاح، وأدخلا الشايقية الباشبوزق داخل السور، وضماهم إلى المغاربة وغيرهم من سكان المدينة، وفرقاهم على الأبراج، وأمراهم بضرب عساكر الأورطة عند وصولها.

وفي صباح 5 يولية سنة 1865 حضرت الأورطة، سائرة بانتظام عسكري، فأمر اللواء والمدير بعدم التعرض لها، ودخلا ديوان المديرية، فتحصنا فيه، فلما اقترب العصاة من باب الجنائن أطلق عليهم البلوكباشي محمد أغا المردلي عيارا ناريا على خلاف الأمر، فقتل منهم شاويشا وقال: «هذا ثأر ابن عمي الذي قتل يوم الثورة عند سلب الذخيرة.» ثم أطلق عيارا ناريا آخر فقتل أومباشيا، فهاج عساكر الأورطة إذ ذاك، ودخلوا القشلاق، وكان فيه الضباط المصريون وعدتهم ستة وعشرون، فقتلوهم عن آخرهم. أما خطاب أفندي فبعد أن قتلوه وضعوا عليه يبيسا وأحرقوه بالنار.

ثم اجتمعت عليهم الأورط الثلاث الباقية، وتعصبت للجنسية ضد الأتراك والعرب، وكسر رجالها أبواب الغرف التي وضع فيها سلاحهم، فأخذوه، وتحصنوا في الثكنة، وفتحوا فيها المزاغل وقطعوا السابلة، وانتشر أكثرهم في البيوت، ينهبون ويسلبون.

وكان السيد حسن المرغني قد ذهب إلى «سبدرات»، فأرسل إليه المدير يدعوه، فحضر في اليوم التالي (6 يولية) إلى «حلة الخلانقة» غربي «الاستحكام»، وكتب إلى العصاة يسألهم الكف عن الحرب، وسلم الكتاب إلى أحد خلفائه، فرفعه على قصبة، ودخل به الاستحكام، وهو ينادي: «جاءكم كتاب السيد الحسن!» فتلقاه العصاة بالقبول، وكفوا عن الحرب، ثم دخل الأستاذ فهرعوا إليه يقبلون يديه - يا لقوة المؤثرات الأدبية! - وشكوا إليه أمرهم، فوعدهم بالراحة.

ثم ذهب إلى اللواء والمدير وعقد مجلسا للنظر في تسكين الفتنة، فقر الرأي المرة الثانية على استخدام العربان للقبض على السود - وكان رأيا سخيفا! - فجمعوا جموعا كثيرة من خيالة وقرابة من «الهدندوة» و«الخلانقة» وعرب سبدرات والجادين وبني عامر، ووضعوهم في الخاتمية، ثم ذهب السيد الحسن إلى العصاة، وقال لهم: «قد اتفق الرأي على أن تخرجوا من الاستحكام بجميع أمتعتكم، وتذهبوا إلى حيث تشاءون.»

فشعر السود أن في الأمر مكيدة كالتي كيدت لهم في الميت كناب، فأبوا أن يخرجوا إلا إذا أعطي كل منهم 12 طلقة من الذخيرة (الجبخانة)، ليحموا بها أنفسهم إذا غدر بهم، فاتفق رأي الجميع على إجابة طلبهم - وربما رأوا أن في ذلك نجاة لهم من آفتين: آفة السود، وآفة العربان. ولكن سعيد أغا أبا فلقة المولج في حفظ الذخيرة، وصاحب الثار على العصاة، رفض الرأي بتاتا، وقال: «إني لا أعترف بسلطة أحد منكم علي، وأحسب نفسي مسئولا عن الجبخانة عند أفندينا رأسا.» فأجابه المدير واللواء: «إذا نحن لم نعطهم القدر القليل الذي طلبوه من الجبخانة، فلا حيلة لنا في القبض عليهم، بل نخشى أن يهاجموك فيقتلوك أنت ورجالك، ويستولوا على الذخيرة كلها، فبقي أن نختار أهون الشرين، ونعطيهم ما سألوه، ثم ننظر رأينا فيهم.»

قال سعيد أغا: «أأهون الشرين تختارون في تسليمكم جبخانة الحكومة إلى عصاة خونة تمردوا عليها وقتلوا الجم الغفير من رجالها؟ أفي الدنيا شر أعظم من أن يظهر رجال العسكرية الجبن أمام العبيد أولاد الجواري، فيسلموا لهم بمطالب ما أنزل الله بها من سلطان، ويعطوهم الجبخانة ليستخدموها في حربهم؟ أليس الأجدر بنا أن ندعوهم إلى الطاعة، فإن أبوا حاربناهم حتى نفوز أو نموت مشرفين؟ ومع ذلك فاختاروا أنتم لأنفسكم ما تشاءون، أما أنا فقد اخترت الموت على التسليم بمطالب هؤلاء الأجلاف، وإذا هاجموني في محلي وعجزت عن صدهم فإني أركب برميلا من البارود، وأشعل النار في الجبخانة كلها، فأقتل نفسي ولا أمكنهم من طلقة واحدة منها.»

ناپیژندل شوی مخ