336

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وتفاءل الباشا خيرا من مجيء مرزوق بك وسليم المحرمجي، بعد أن تم تسليم شاهين الألفي وجماعته وصلحهم معه، فبادر بالكتابة إلى إستانبول في 10 مارس 1808 «بأن نصف طائفة المماليك قد دخلوا تحت الطاعة، بينما النصف الآخر على وشك أن يحذو حذوهم في هذه الأيام، حتى صار من المتوقع بفضل خطة الباشا الحازمة والحكيمة إنهاء غوائلهم جميعا ودفعها، وأن يستطيع سداد ما عليه من ديون - إن شاء الله - بفتح إقليم الصعيد»، ووعد بالخروج عندئذ إلى الحجاز ضد الوهابيين.

وقد توسط في هذه المفاوضة كذلك «كارلو روشتي»، ويكتب «دروفتي» إلى حكومته في 8 أبريل 1808 تعليقا على هذه الوساطة، وعلى المفاوضات ذاتها: «أن البكوات في الصعيد كانوا قد رجوه التدخل في المفاوضات مع الباشا، كما طلب إليه ذلك محمد علي نفسه، ولكنه اعتذر لعدم وجود تعليمات لديه تتيح له التدخل، فاضطر الجانبان إلى توسيط «روشتي» قنصل النمسا العام، ورحب هذا بما عرض عليه كل الترحيب؛ لأن هذا الدور سوف يمكنه من الاحتفاظ بما يتمتع به من نفوذ كبير وأكثر من اللازم في شئون مصر، وهناك ما يدعوه؛ أي «دروفتي» إلى توقيع عقد الصلح في النهاية، ولكنه يلحظ كثيرا من التحرز من كلا الجانبين، مما يجعل المفاوضات تطول أكثر من الوقت الذي تستدعيه طبيعتها.»

واستطالت المفاوضات فعلا، ومرد ذلك إلى تغالي بكوات الصعيد في مطالبهم؛ حيث تمسكوا ببقاء كل الأقاليم التي يملكونها فعلا بالصعيد في حوزتهم - أي السيطرة على الصعيد بأسره ما عدا بعض المراكز القليلة - كما أنهم نفروا من الحضور إلى القاهرة، ولم يشأ محمد علي قطع المفاوضة، ولم يشأ في الوقت نفسه التسليم بمطالبهم المتطرفة، فراح يمد في أجلها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لعل وكلاءه في المعسكر المملوكي يستطيعون إشاعة الانقسام والفرقة بينهم وزيادة الخلافات الناشئة بين مختلف أحزابهم حدة على حدتها، فيحملهم وهنهم واتضاح عدم جدوى المعارضة لهم على قبول شروطه، فصار يتعلل بضرورة إخضاع العربان وانشغاله بأمرهم، وقد استخدم في ذلك شاهين الألفي على نحو ما مر بنا، فظلت تتجدد الهدنة بين البكوات وبين محمد علي طوال الشهور التالية، حتى حدث أن توفي شاهين بك المرادي بمنفلوط في 11 مايو 1808.

فتهيأ بفضل هذا الحادث لمحمد علي إنهاء المفاوضة على شروطه، وذلك أنه بادر بمجرد ورود الخبر في 15 مايو بموت شاهين المرادي، بتعيين سليم بك المحرمجي رئيسا للمرادية، وقبل هذا شروط الباشا، فيقول «سانت مارسيل» في أول يونيو: إن الصلح قد عقد على أساس أن يظل الصعيد ابتداء من المنيا فقط في أيدي البكوات، وبشريطة أن يدفع هؤلاء الميري عن الأقاليم التي بقيت لهم، وذلك ابتداء من العام المقبل، وأيد أخبار هذا الصلح على القواعد المذكورة «دروفتي» في تقريره الذي رفعه إلى حكومته وقتئذ، وغادر المحرمجي القاهرة إلى الصعيد، وانتظر الباشا تصديق البكوات على هذا الصلح، وقبل البكوات في أول الأمر شروط الباشا وصدقوا على الصلح، وكان الباشا منذ 15 مايو قد قلد مرزوق بك ولاية جرجا وإدارة الصعيد، وألبسه الخلع، وشرط عليه إرسال المال والغلال الميرية، وذلك كما رأى الباشا حتى يزول أي شك لديه في صدق نواياه. وذكر الشيخ الجبرتي الآثار التي ترتبت على عقد الصلح بين الباشا والبكوات، فقال: «وعند ذلك اطمأنت الناس، وسافرت السفار والمنتسبون، ووصل إلى السواحل مراكب الغلال والأشياء التي تجلب من الجهة القبلية»، وذلك من أواخر يونيو إلى أواخر الشهر التالي. وقال «دروفتي»: إن مرزوق بك عند ذهابه إلى الصعيد كان يحمل إنذارا من الباشا لإخوانه، أنه مصمم على شروط الصلح هذه ولا يقبل نقضها. (3) البكوات ينقضون الصلح

وكان الباعث على توجيه هذا الإنذار إلى البكوات، أن هؤلاء بعد موافقتهم الأولى على الصلح، ما لبثوا أن عملوا على نقضه، فقد نجحت مساعي وكلاء الباشا في معسكرهم، فغادره كثيرون من المماليك والأتباع الذين آثروا الاستمتاع بحياة الترف في القاهرة، وأغراهم سخاء الباشا على التسليم له، وعلاوة على ذلك، فقد كان تعيين سليم بك المحرمجي رئيسا على المرادية (بيت مراد والبرديسي) عملا جريئا وخطوة خطيرة؛ لأن البكوات في الصعيد كانوا يسلكون مسلك المستغلين، ويتفاوضون كالأنداد مع الباشا، ولم يحدث قط أن الباشوات الذين تولوا بالقاهرة، أو الباب العالي نفسه في القسطنطينية، رأوا أن من حقهم التدخل في مسألة تعتبرها هذه الطائفة المملوكية العسكرية مسألة عائلية ومن شئونهم وحدهم، فكان معنى تدخل الباشا الآن في هذه المسألة، أنه قد صار لديه من القوة ما يجعله قادرا على هذا التدخل، لا سيما وقد أشار الباشا نفسه إلى هذا المعنى عندما قال وقت تعيينه للمحرمجي رئيسا للمرادية: إن باشويته على الديار المصرية تخوله هذا الحق، بفضل ما تعطيه له هذه الباشوية من سيادة كاملة على البلاد بأسرها، ثم جاء إعطاؤه الحكم في جرجا وإمارة الصعيد لمرزوق بك مؤيدا لهذه السيادة الكاملة، ولم يسع المحرمجي ومرزوق بن إبراهيم الكبير إلا الرضوخ لإرادة الباشا.

وكان واضحا أن غرض محمد علي من خطوته هذه أن يزيد في إشاعة الانقسام والخلاف في صفوف البكوات، وإثارة الأحقاد بينهم حتى يحملهم ضعفهم على قبول الاتفاق معه بشروطه المعروفة، كما أنه أراد أن يعود أعداءه وخصومه، مثلما عود أنصاره، على قبول الأمر الواقع والرضوخ لتلك السلطة التي يمارسها فعلا، ولم يدهش تدخل الباشا في شئون المماليك القاهريين والأهالي عموما، وهم الذين صاروا - على نحو ما أشرنا سابقا - يؤمنون الآن أكثر من أي وقت مضى بسلطان الباشا، وبأن لمصر سيدا واحدا فقط هو محمد علي.

ولكن هذا التدخل أدهش البكوات، بل وأثار في نفوسهم الخوف في الوقت نفسه؛ لأنه كان المرة الأولى التي يحدث فيها هذا التدخل من أجنبي عنهم في شئونهم؛ ولأنه كان يدل على أن السلطة الجديدة قد بلغت درجة عظيمة من الاستقرار والقوة جعلتها تجرؤ وتتجاسر، وهي في مكانها البعيد في القاهرة على اتخاذ هذه الخطوة، وأحدث هذا الخوف أثره، فقد ثار عديدون من البكوات ضد تعيين سليم المحرمجي رئيسا للمرادية، ولكن لم يلبث أن تغلب فريق آخر رأى من الحكمة - تجنبا لاتساع شقة الخلاف بينهم - تلافي الموقف باختيار سليم المحرمجي، والتصديق على تعيينه، ويقول المعاصرون: إن ما وقع بين البكوات يكفي وحده دليلا على مبلغ الضعف الذي صاروا فيه وقتئذ.

ومع ذلك فقد امتنع البكوات عن دفع الميري المطلوب منهم بمقتضى شروط الصلح، لا نقدا ولا عينا؛ أي غلالا، وفسر «دروفتي» عدم وفائهم بوعودهم بقوله في كتابه إلى حكومته في 12 يوليو 1808: «إن شروط الاتفاق الذي تم بينهم وبين محمد علي تتطلب وجود ثقة متبادلة بين الطرفين من المتعذر إنشاؤها؛ لأنه لم يكن في مقدور المماليك البكوات أن يجمعوا أمرهم على دفع الميري المطلوب منهم، فبالرغم من ضعفهم والانحلال الذين هم فيه، والذي يمكن القول بأنه يتفاقم يوما بعد يوم، فإنهم عاجزون عن التخلي عن فكرة التنازل عن امتلاك مصر لصالح العثمانلي.»

وكرر محمد علي مطالبتهم بدفع الميري، ولكن دون جدوى، وظل الحال على ذلك حتى شهر سبتمبر، فيذكر «سانت مارسيل» في 21 سبتمبر «أن الصلح مع البكوات لم يتم دعمه وتأييده، ومع ذلك فكل شيء هادئ في الصعيد، ولو أن البكوات يرفضون دفع الميري عن إقطاعاتهم، ودفع الميري كما هو معلوم الشرط الأساسي لهذا الصلح»، فلم يكن في وسع البكوات بالرغم من عدم إذعانهم أن يقاوموا حكومة محمد علي أو أن يجبروه على تركهم وشأنهم، والعلة في ذلك انقساماتهم وخلافاتهم، حتى إن المرادية طردوا سليمان كاشف البواب وأربعة من الكشاف من الصعيد، فحضر هؤلاء إلى القاهرة في ديسمبر لاجئين إلى الباشا، فرحب هذا بهم، وخلع على سليمان وأعد له دارا لسكناه.

وكان واضحا أن استمرار الحال على هذا المنوال متعذر، ولا معدى عن لجوء الباشا إلى وسائل أخرى لإرغام البكوات على تنفيذ شروط الصلح الذي سبق أن وافقوا عليه ثم راحوا ينقضونه، وكان محمد علي قد أمهلهم مرة أخرى، وآخرها إبان جولته في الوجه البحري في رحلته التي سبق ذكرها، والتي استغرقت من أواخر أغسطس إلى أواخر سبتمبر 1808، وكانت عودته منها يوم 22 منه، فلما علم يوم وصوله أن البكوات لا يزالون ممتنعين عن دفع المال والغلال (الميري) بالرغم من تكرار الطلب عليهم أن يفعلوا، أمر بتجهيز حملة ضدهم، وشرع يستعد لها.

ناپیژندل شوی مخ