مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وأما القلعة فكانت مزودة بكل وسائل الدفاع اللازمة، والاستيلاء عليها - عدا أن من شأنه إعطاء الباشا الملجأ الأمين الذي يطلبه - يجعله قادرا بفضل التحصن بها، على الإشراف والسيطرة على القاهرة بأسرها، والحيلولة دون استيلاء الثوار عليها؛ إذ لو وقعت هذه في أيديهم لاستفحل شرهم كثيرا، أضف إلى هذا أنه سوف يتسنى له من معقله بالقلعة، أن يتفاوض مع رؤساء المتمردين وإنهاء عصيان الجند الذين سوف يتضح لهم عجزهم عندئذ عن إلحاق الأذى بالباشا، وفي وسع محمد علي أن يبذر بينهم بوسائله المجربة بذور التفرقة، حتى إذا تصدعت صفوفهم، عاقب محركي الفتنة عقابا صارما، وذلك هو عين ما حدث.
ومما يجدر ذكره أن الباشا ظل بعد هذه الحوادث يتخذ من القلعة مكانا لسكناه وإقامته، ولم يكن سبب ذلك أنه قد بيت العزم - كما يرى بعض الكتاب - على الاستبداد برعيته، ذلك الاستبداد الذي يرى هؤلاء عنوانا له، انفراد محمد علي بالسلطة في تلك الصورة الرتيبة التي تبدأ في زعمهم بإقصاء المشايخ عن شئون الحكم، وتنتهي بالفتك بالمماليك في مذبحة القلعة، بل إن حوادث العصيان والتمرد ظلت تقع من حين لآخر في الأعوام التالية، ولو أنها لم تكن بمثل هذه الخطورة؛ حيث كان قد استطاع عند نهاية الفترة التي نعنى بدراستها، الهيمنة على الجيش، كما بدأ يعمل لإنشاء النظام الجديد، كما استمرت مكائد كبار الضباط ضد حكومته وضد شخصه، وكان آخرها في هذه الفترة حادث أو كائنة لطيف باشا في ديسمبر 1813، وقد حاول هذا تحريك الفتنة ضد حكومة الباشا فانتهى الأمر بقتله، وفضلا عن ذلك، فإن محمد علي لم يعش في عزلة بالقلعة، وقد وزع إقامته بينها وبين سرايه بميدان الأزبكية، وصار يصرف شئون الحكم من المكانين، وإن كثر انعقاد ديوانه بالقلعة، وقد قطن بسراي الأزبكية بعض حريمه وأهله منذ أن استقدم من قولة زوجه الأولى وسائر أفراد أسرته.
على أن انتقال الباشا إلى القلعة، ونهب سرايه بالأزبكية كان بمثابة الإشارة لانتشار أعمال السلب والنهب في القاهرة على يد الجند الذين تراوح عددهم وقتئذ بين الثمانية والعشرة آلاف، فانطلق هؤلاء في شوارع المدينة وأحيائها، يعتدون على النساء، ويفتكون بالأزواج، ولا ينجو من سلب متجره وحانوته إلا من دفع فدية كبيرة، واستمر الحال على ذلك أسبوعا كاملا، فأوذي القاهريون إيذاء بليغا، وتوقفت الأعمال وانتشر الرعب والفزع في القاهرة. وفي ليلة أول نوفمبر - وكانت ليلة رؤية هلال رمضان - لم يمكن عمل الموسم المعتاد، وهو الاجتماع ببيت القاضي، وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي، فبطل ذلك كله ... ولم تثبت الرؤية تلك الليلة.»
ولم يمكن احتمال هذا الحال طويلا، وسعى «دروفتي» لدى الرؤساء لتأمين حياة وأموال الرعايا الفرنسيين، فتحدث في هذا الشأن على وجه الخصوص مع عمر بك الأرنئودي، وصالح آغا قوج (قوش) والسيد عمر مكرم، وحصل من هؤلاء على تأكيدات قاطعة باهتمامهم بصالح الرعايا الفرنسيين، وكتبوا له في ذلك قائلين: «إنهم سوف يتخذون كل ما ينبغي من وسائل لمنع وقوع أية إهانات على مبنى القنصلية الفرنسية وحارة الفرنساوية، (حي الإفرنج) بالمدينة»، وأكدوا أن في وسع «دروفتي» أن يعتمد كل الاعتماد على إمكان البحث معهم في أي أمر قد يبدو له ضرورة بحثه معهم، ثم إن له أن يعتمد كذلك على مساعدتهم له عند الحاجة.
وكان محمد علي منذ 28 أكتوبر قد عقد ديوانا بالقلعة، حضره رؤساء الجند وكبار القواد، كما حضره صغار الضباط، وتحدث فيهم بلهجة حازمة، وحاول أن يفرق بين صغار الضباط والرؤساء، فألقى مسئولية ما يشكو الجند منه من عدم حصولهم على مرتباتهم على كاهل الرؤساء الذين يتقاضون ما يزيد مائة مرة على ما يستحقونه عدلا وقانونا ، بينما يتركون جندهم في عوز وحاجة، وأظهر الباشا استعداده لإجابة مطالب الجند، على شريطة أن يقدم هؤلاء الرؤساء حسابا عن المبالغ الطائلة التي أخذوها. وأما إذا كان الجيش يريد تنحيته عن الحكم، فلهم أن يختاروا باشا غيره، فيعود هو حينئذ إلى رتبته العسكرية القديمة، أو يرحل عن البلاد كلية، ولكنه طالما بقي في الحكم، فإنه لن يتحول عن عزمه في ضرورة إصلاح المالية العسكرية، ثم استطرد الباشا من ذلك يقول: «ولقد حان الآن الوقت لإنهاء الإهانات والاعتداءات التي يتعرض لها الإفرنج واليهود والمسيحيون، وإبطال السلب والنهب الذي يقع على أهل القرى، لا لشيء سوى إشباع نهم بعض الرؤساء وإرواء جشعهم، وذلك كله محافظة على سمعة الجيش نفسه، ولتوفير السعادة لسكان وأهل البلاد»، ثم اختتم الباشا مقالته بإظهار ضرورة طرد جميع المحرضين على الثورة، وأعلن أنه لن يصرف سوى مرتبات ثلاثة شهور فحسب لكل الجيش عن استحقاقات سنة كاملة، إلا إذا خرج الجند إلى الصعيد لمناجزة البكوات المماليك وصار الباشا سيدا للصعيد، فعندئذ ينالون مكافأة طيبة.
وأثر كلام الباشا في صغار الضباط تأثيرا كبيرا، ووجد هؤلاء مقترحاته عادلة ومعقولة، فرفضوا الإصغاء لحجج ودعاوى رؤسائهم، وعجز هؤلاء عن استمالتهم إلى المضي في التمرد والعصيان، وتشاور الرؤساء في الأمر، ولما كانوا لا يجرءون على تقديم الحساب المطلوب منهم؛ لأنه لن يكون في صالحهم، فقد قر رأيهم على قبول التسوية التي اقترحها الباشا، ثم إنهم أمروا في اليوم نفسه بإرجاع المنهوبات التي أخذت من سراي الأزبكية، وانفرجت الأزمة، وانصرف الاهتمام إلى تدبير المال اللازم لدفع المرتبات التي وعد بها محمد علي.
ولما كان الناس قد أوذوا بسبب هذه الفتنة، وأوذيت على وجه الخصوص مصالح المشايخ وأعيان القاهريين، وكلهم صاحب ثروة، ويخشى على أمواله من الضياع، فقد عقد هؤلاء العزم على وقف الفتنة بكل وسيلة، يدفعهم إلى ذلك حرصهم على مصالحهم الذاتية، قبل أي اعتبار آخر، ثم إلحاح العامة فطلع طائفة من المشايخ (يوم 31 أكتوبر) إلى القلعة، وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال، بأي وجه كان، ثم نزلوا، واستطال الأخذ والرد في طرائق تدبير المال، وتعددت اجتماعات المشايخ بكبار الضباط في منزل السيد عمر مكرم، وكثرت المؤتمرات كذلك في بيت السيد محمد المحروقي، وعند غيره.
ولكنه كان من الواضح أن الواجب يقتضيهم أن يفصلوا في هذه المسألة بكل سرعة، فقد استمر الاضطراب والشغب. وفي 2 نوفمبر بين العصر والمغرب، ضربوا مدافع كثيرة من القلعة، وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة، وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة، فعلوا كفعلهم من كل ناحية، ومن أسطحة الدور والمساكن، وكان شيئا هائلا، واستمر ذلك إلى بعد الغروب وتهكم الشيخ الجبرتي، فقال: «وذلك شنك لقدوم رمضان، في دخوله وانقضائه.»
وعلى ذلك فإنه لم تنقض أيام قلائل على هذا الحادث، حتى كانت قد أسفرت المباحثات والمشاورات في يوم 5 نوفمبر عن ترتيب لتدبير المال اللازم، كان فريدا في نوعه، يدل على حرص المشايخ على مصالحهم الذاتية، وقصورهم عن إدراك معنى الزعامة الشعبية التي طمعوا فيها، وعجزهم عن تحمل مسئولياتها، وقد شرح الشيخ الجبرتي هذا الترتيب في قوله: وفي هذا اليوم «انكشفت القضية عن طلب مبلغ ألفي كيس بعد جمعيات في مشاورات تارة ببيت السيد عمر النقيب، وتارة في أمكنة أخرى، كبيت السيد المحروقي وخلافه، حتى رتبوا ذلك ونظموه، فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا، وجانب على المشايخ الملتزمين، نظير مسموحهم في فرض حصصهم التي أكلوها، وهي مبلغ مائتي كيس، وزعت على القراريط، على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض؛ لأجل أن ترد أو تحسب لهم في الكشوفات، من رفع المظالم، ومال الجهات، يأخذونها من فلاحيهم، وفرض من ذلك مبلغ على أصحاب الحرف وأهل الغورية، ووكالة الصابون ووكالة القرب، والتجار الآفاقية، واستقر الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء، وإسماعيل الطوبجي، بالمطلوب من طائفة الأتراك وأهل خان الخليلي، والمرجع في الطلب والدفع والرفع إلى السيد عمر النقيب.»
ومعنى ذلك، أن هذا الترتيب قد كفل للمشايخ - وقد صاروا في هذا العهد من كبار الملتزمين - استرداد ما يدفعونه، باحتسابه من مسموحهم في فرض حصصهم، وتفسير ذلك أن المشايخ الملتزمين؛ أي أولئك الذين التزموا بدفع الضريبة (الميري) عن حصة الأرض التي اعتبروا مسئولين عن تأدية المال (أو الميري) عنها إلى الحكومة، كانت الحكومة قد أعفتهم في نظير التزامهم من دفع الضريبة عن جزء من أراضيهم وأملاكهم الخاصة الداخلة في حصة التزامهم، فعرف ذلك باسم مسموح المشايخ، وكان المفروض أن يعفى الفلاحون في هذا الجزء المعفي من الضريبة، من دفع الضرائب كذلك، ولكن المشايخ درجوا - بالرغم من ذلك - على جمع الضرائب وسائر الفرض والإتاوات الحكومية من الفلاحين الموجودين بالأرض المعفاة منها حسب هذا النظام؛ وعلى ذلك، فإنه عندما أراد المشايخ والزعماء القاهريون - ويكادون يكونون جميعا من المشايخ الملتزمين، وهم كذلك أغنياء القاهرة وسراتها - إنهاء فتنة الجند التي آذت أشد ما آذت - كما ذكرنا - مصالح هذه الطبقة، رتبوا احتساب المبالغ التي يدفعونها من مسموحهم من الفرض على حصص التزامهم، فترد هذه المبالغ إليهم أو تحتسب لهم في كشوف الضرائب، والإتاوات التي يحصلونها - دون وجه حق أصلا - من الفلاحين في أرضهم أو حصص التزامهم، وبهذه الطريقة ضمن المشايخ استرداد ما دفعوه.
ناپیژندل شوی مخ