285

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وقد عزا «دروفتي» في كتابه إلى «سباستياني» من القاهرة في 20 أكتوبر 1807 هذا الحادث إلى ازدياد عجرفة الجند، منذ عودتهم إلى القاهرة، بعد انتصاراتهم الأخيرة على الإنجليز، بدعوى أنهم هم الذين طردوا هؤلاء، وأرغموهم على ترك الإسكندرية، وقد راح «دروفتي» يشكو من الإهانات التي لحقت بالأوروبيين على أيديهم، وشيوع الفوضى في القاهرة، وانعدام الأمن، حتى إن أحدا من الأهلين ما صار في وسعه الاطمئنان على حياته، ولو لزم داره، وعاش بين أهله وعشيرته؛ وذلك لأن الجند دأبوا على الاعتداء على البيوت وأصحابها، وسعيد الحظ هو الذي يتسنى له الفرار بعياله وحريمه، فكان من أثر انتشار روح التمرد والعصيان هذه أن كاد محمد علي نفسه يقع فريسة لاختلال النظام بين جنوده، ويقول «دروفتي»: إن الذين أطلقوا عليه الرصاص، كانوا من الجند المأجورين لفعل ذلك، وإن البيت الذي أطلق منه الرصاص كان معروفا بأن قاطنيه من القتلة المأجورين، وأن الرصاص جرح حصان الباشا وأحد ضباطه.

وكان سبب التمرد المباشر، أو على الأصح، الذريعة التي تذرع بها الجند للمضي في اعتداءاتهم، تأخر مرتباتهم؛ ولذلك فقد عمد الباشا إلى فرض الإتاوات وعقد القروض لدفع هذه المرتبات منها، وكان محمد علي منذ 6، 13 أكتوبر قد أمر بفتح الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على أربع سنوات ماضية ثم أمر بفتح دفاتر الطلب بميري السنة القابلة، كما كان منذ 6 أكتوبر قد أمر بكتابة أوراق البشارة بذهاب الإنكليز وسفرهم من الإسكندرية وأرسلت هذه إلى البلاد والقرى، ولكن هذه كانت إجراءات، لا بد من مضي بعض الوقت، قبل أن تأتي ثمرتها، ولقي الباشا صعوبات في استدانة كل المال الذي يريده، وهكذا تعذر عليه إرضاء الجند، وصار هؤلاء - كما قال «دروفتي» - يقابلون كل معترض على فعالهم بازدياد صياحهم مطالبين بمرتباتهم المتأخرة.

ولذلك فإنه لم تنقض عشرة أيام على حادث سوق العزى، حتى تجمهر حوالي الخمسمائة من الأرنئود والعثمنلي أمام قصر الباشا بالأزبكية، صبيحة يوم 26 أكتوبر، يطلبون علائفهم، وحاول الباشا استنزال شيء منها، فأبى الجند، فوعد بالدفع عندما يتجمع لديه المال اللازم لسدادها فقالوا لا نصبر، ثم إنهم استولوا على مدفعين وآخر من نوع الهاون وقاذفة للقنابر ، كانت جميعها بفناء القصر، ثم بادروا بإطلاق الرصاص على نوافذ الحجرات التي يقطنها الباشا، وضربوا بنادق كثيرة، وكان في وسع محمد علي أن يأمر رجاله بإطلاق النار عليهم؛ لتوفر الرصاص في المكان الذي كان موجودا به وقتئذ، ولكنه امتنع، تجنبا لوقوع حوادث وخيمة، وارتجت البلد وأرسل السيد عمر مكرم إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا وأغلقوها، وتوسط سلحدار الباشا، والدفتردار أحمد أفندي (الملقب بجديد) لدى الجند، وقدما نفسيهما رهينة في يد الثوار لتهدئتهم وتسكينهم، حتى يفي الباشا بوعده لهم؛ حيث قطع على نفسه عهدا بدفع مرتباتهم في أيام قليلة، ولما كان الثوار قد فرغت ذخيرتهم، فقد انصرفوا، آخذين معهم السلحدار والدفتردار ويعتدون في طريق انسحابهم على الأهلين بوحشية قاسية.

ولكنه ما إن انسحب هؤلاء، حتى حضر الدلاة بدورهم، قبل الغروب يمنون النفس بنيل مثل الوعود التي نالها الثوار السابقون، فضربوا أيضا بنادق، ولكنهم قوبلوا بغير ما قوبل به زملاؤهم؛ إذ ضربت عليهم عسكر الباشا، وتبودل إطلاق النار من الجانبين، وانزعجت القاهرة أيما انزعاج، وساد الرعب والفزع بالمدينة، وقتل من الدلاة أربعة، وجرح أفراد منهم، فانكفوا ورجعوا، وبات الناس متخوفين، وخصوصا نواحي الأزهر، فأغلقوا البوابات من بعد الغروب، وسهروا خلفها بالأسلحة، ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس.

وكان من المتوقع أن يعيد الدلاتية الكرة في هذا اليوم الثاني (27 أكتوبر)، يؤيدهم بعض العسكر من العثمنلي والأرنئود الذين لم يشتركوا في حوادث اليوم السابق، ولم تسر فيهم روح التمرد بعد، ولكن النهار مضى دون أن يقع جديد، ولو أن الحال ظل على ما هو عليه من الاضطراب.

بيد أن الباشا لم ير من الحكمة البقاء في سرايه بميدان الأزبكية، فنقل أمتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة، وكذلك ثاني يوم، ثم إنه غادر سرايه مستخفيا هو وكبار ضباطه في الساعة الأولى من صبيحة يوم 28 أكتوبر، قاصدا إلى القلعة، وحوله حوالي الثلاثمائة من حرسه المسلحين من المماليك الفرنسيين بقيادة عبد الله دراو

Derau

وقد صحبه كذلك حسن باشا طاهر «الأرنئودي»، الذي قال إن الباشا إنما يقصد إلى منزله، فما إن تحقق بونابرتة الخازندار من وصول محمد علي إلى القلعة سالما، حتى صرف الحاضرين في الحال، ونقل ما بقي من أمتعة ثمينة، وكذلك الخزينة فورا وكذلك الخيول والسروج، وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة.

وبمجرد أن وقف العصاة على ما حدث، هاجموا قصر الباشا ونهبوه، ولم يحترموا سوى الحريم، «وأشيع في البلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا، وزاد اللغط والاضطراب، ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال، حتى ولا كبار العسكر، وزاد تخوف الناس من العسكر الذين حصلت منهم عربدات، وخطف عمائم وثياب، وقتل أشخاص، وأصبح يوم (29 أكتوبر) وباب القلعة مفتوح، والعساكر مرابطون به، وواقفون بأسلحتهم، وطلع أفراد من كبار العسكر بدون طوائفهم، ونزلوا، وكل طائفة متخوفة من الأخرى، والأرنئود فرقتان: فرقة تميل إلى الأتراك، وفرقة تميل إلى جنسها، والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنئود، وهم كذلك، والناس متخوفة من الجميع، ومنهم (الجند) يخشى من قيام الرعية (الشعب) ويظهر التودد لهم، وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات، وتأهلوا وتزوجوا منهم.»

ولم يكن هناك معدى عن انتقال محمد علي إلى القلعة؛ لأنه طالما بقي في سرايه بالأزبكية، انعدم كل رجاء في إمكان إخماد عصيان الجند؛ وذلك لأن هذه السراي، كانت تقع في ميدان الأزبكية، وهو الميدان الرئيسي في القاهرة وقتئذ، ولم يكن من المتيسر الدفاع عنها، بل على العكس من ذلك، كان التغلب على أية مقاومة تأتي من جانب أهلها سهلا ميسورا، إذا وقع هجوم منظم عليها، وكان لا ندحة للباشا عن الالتجاء إلى مكان أمين يحتمي به، بعد الهجومين اللذين حدثا يوم 26 أكتوبر، ناهيك بالمؤامرات والمكائد التي عرف أن بعض رؤساء جنده يحيكونها ضده، حتى إن الشيخ الجبرتي ذكر يعلل انسحاب الباشا إلى القلعة، أنه «يقال إن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره في تلك الليلة (ليلة 27-28 أكتوبر)، وعلم ذلك منهم بإشارة بعضهم لبعض رمزا، فغالطهم وخرج مستخفيا من البيت، ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له، وأكثرهم أقاربه وبلدياته.» وقال «دروفتي» في رسالته إلى «تاليران» في 31 أكتوبر: «إن المسألة لم تكن لتقف عند هذا الحد لولا أن السيد عمر مكرم - وهو موال دائما للباشا - لم يعمد لتسليح الأهالي، ولولا أن بعض زعماء الجيش، مثل حسن باشا طاهر وعمر بك الأرنئودي، وصالح آغا قوج (قوش) لزموا الحياد.

ناپیژندل شوی مخ