مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
وأما كيف تسنى للباشا أن يوطد أركان حكومته الداخلية، ويبسط سلطان باشويته حتى يشمل أرجاء هذه الباشوية، فذلك ما سوف نوضحه في الفصول التالية.
الفصل الثاني
الحكومة الموطدة
الانفراد بالسلطة
تمهيد
استطاع محمد علي تذليل الصعوبات التي اعترضت الحكم منذ أن نودي بولايته في مايو 1805، إلى وقت جلاء الإنجليز عن الإسكندرية في سبتمبر 1807، فتخطى في سلام العاصفة التي كادت تودي بباشويته، وتسنى له بعد هذا الانتصار أن يبدأ ذلك النشاط السياسي الذي سبق وصفه، والذي استهدف الظفر بالحكم الوراثي لتأمين الباشوية ولضمان استقرار الحكم، ودعم أركان الولاية، ولقد تميز هذا النشاط السياسي بأنه صار يشتد ويقوى في اطراد، تتزايد سرعته تبعا لما كان محمد علي يحرزه من نجاح في الميدان الداخلي، بالتغلب على العناصر المناوئة لسلطانه في باشويته ذاتها، والعلة في ذلك، أنه بالرغم من اجتياز الأزمات السابقة بسلام، لم يكن في مقدور محمد علي عند انسحاب «حملة فريزر» من الإسكندرية، الاطمئنان إلى أن الحكم قد صار له يقينا، وأن أسباب السلطة قد اجتمعت في يده هو وحده، بحيث يستطيع المضي قدما في تحقيق مشروع استقلاله دون أن يشغله شاغل.
فقد استمرت تتنازع السلطة الداخلية معه منذ المناداة بولايته، جماعات ثلاث: الجند، والمشايخ، والمماليك، الجند الذين قال بشأنهم «دروفتي» في كتاب له إلى حكومته في 8 أبريل 1808: «إنه وإن تظاهر محمد علي بالسلطان والسيادة، فهو عاجز عن التحرر من الاعتماد على جيشه، ذلك الجيش الذي جنده على أهبة القيام بالثورة وشق عصا الطاعة دائما إذا تأخرت مرتباتهم وعلائفهم.» والمشايخ الذين استندوا على ما كان لهم من زعامة بين الأهلين، جعلتهم يسهمون في إنهاء الأزمات الماضية، ليتطلعوا إلى المشاركة فعلية، تجرد محمد علي لو أنهم حققوا مبتغاهم، من السلطة التي لا غنى له عن ممارستها لضمان استقرار الحكم في الولاية. والمماليك الذين ظل يجمعهم، بالرغم من اختلافاتهم ونزعاتهم غرض واحد، هو إقصاء محمد علي من الولاية واسترجاع الحكم والسلطان في القاهرة.
وزيادة على ذلك، فقد استمرت حاجة محمد علي إلى المال شديدة، في السنوات التي تلت خروج الإنجليز من الإسكندرية، فهو وإن كان قد استطاع تدبير المال الذي استعان به على اجتياز الأزمات السابقة، وتعطل موارد البلاد لكساد التجارة، وانصراف العمال الزراعيين عن فلاحة الأرض، وإقفار كثير من القرى من أهلها، وبقاء الصعيد بإيراداته الوفيرة ملكا للبكوات المماليك، تعذر عليه إجراء أي تنظيم مالي، على أساس مساحة الأرض المنزرعة، وتحديد فئات الضرائب المفروضة عليها، وتعيين أوقات تحصيل هذه الضرائب بصورة رتيبة منظمة، ثم تحديد أبواب الإنفاق في نطاق الإيرادات المتحصلة، ولقد ظلت أبواب الإنفاق في السنوات الأربع التالية كما كانت عليه في الفترة السابقة، ولم يكن هناك ندحة عن أن يلجأ الباشا الآن إلى نفس الأساليب التي اعتمد عليها في الحصول على المال قبل ذلك.
صحيح أن محمد علي جنى ربحا وفيرا من تجارة الغلال، ولكن نفقاته كانت جسيمة، بسبب التجريدات التي بعث بها لمطاردة البكوات المماليك في الصعيد، والاستعدادات العسكرية المستمرة، وتحصين الإسكندرية وغيرها من الثغور الشمالية، وكثير من المواقع الداخلية، لا سيما تقوية وسائل الدفاع عن القاهرة، في وقت ساد فيه الخوف - كما شهدنا - من أن يأتي على البلاد غزو أجنبي، ثم لم يلبث أن جد باب آخر للإنفاق عندما عهد الباب العالي بمهمة الحرمين الشريفين إلى محمد علي، وشرع الباشا يتجهز جديا لإنفاذ جيشه إلى الحجاز منذ أن صح عزمه على الاضطلاع بهذه المصلحة الخيرية.
ولقد كانت هذه الحاجة المزمنة إلى المال، ولجوء محمد علي إلى طرائق لم تكن معروفة من قبل لتدبير المال الذي يريده، السبب المباشر لتأزم الأمور بينه وبين المشايخ ووقوع الاصطدام معهم، ثم إقصاء هؤلاء من الحياة العامة، وإبعاد السيد عمر مكرم ونفيه من القاهرة؛ لأن هذه الطرائق الجديدة آذت مصالح هؤلاء الأشياخ المادية، وهددت بالانتقاص من أسباب الحياة المادية والمترفة التي نعموا بها ردحا طويلا من الزمن على حساب الفلاحين وسائر المواطنين الكادحين والمكدودين.
ناپیژندل شوی مخ