مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
ولكن هذه التجهيزات على ضآلتها لو أنها وضعت تحت تصرف رجل أكثر مهارة من الجنرال «ووكوب» لكفت في رأي «مسيت» لإخضاع رشيد؛ ذلك أن «ووكوب» بدلا من تأسيس موقع له فوق المرتفعات المطلة على رشيد، والتي أخلاها العدو بعد تبادل النار فترة قصيرة من الزمن، قام بهجوم في طوابير لاقتحام المدينة ودخلها، فأتاح الفرصة للأرنئود حتى يصبوا نيرانهم على رجاله دون أن يتعرضوا هم أنفسهم لأي خطر، فذهب «ووكوب» ضحية تهوره وحماقته، وجرح «ميد» وذبح أكثر من أربعمائة جندي دون أن يشاهدوا العدو، ومع ذلك، فقد كان من المستطاع أخذ رشيد؛ لأنه تبين الآن أن قسما من حاميتها كان قبل ذلك قد غادر المدينة في السفن عبر النيل، ولكن الارتباك الذي حدث والرعب الذي استولى على الجميع من جند وضباط كانا عظيمين لدرجة أن أحدا لم يعد يفكر إلا في الانسحاب القهقرى بأقصى سرعة، وقد حاول «تابرنا» - وقد عرفنا أن هذا صحب الحملة كرئيس لأدلائها - أن يبين للضابط الذي تولى القيادة بعد مقتل «ووكوب» أن العدو بالرغم من المزايا التي صارت له لا يجرؤ بتاتا على مواجهة جيش أوروبي في ميدان قتال، ولكنه لم ينجح في إقناعه بالصمود، وانسحب الجيش بسرعة إلى القوارب، وسقط جملة من الجنود بسبب عجزهم - لضعفهم أو جراحهم - عن اللحاق بزملائهم في يد فرسان العدو الذين أجهزوا عليهم.
ثم اختتم «مسيت» رسالته بقوله: وهكذا كان مصير حملته سوف يبدو أثرها في كل عمليات الجيش البريطاني المستقبلة في مصر، فقد أكسبت الأرنئود ثقة في أنفسهم لم تكن لهم على وجه التحقيق قبلها، وجاءت إلى رشيد نجدات قوية، وصرنا لا نستطيع الحصول على مؤن من القرى التي على النيل، وقل نفوذنا في البلاد بدرجة كبيرة.
تلك إذن كانت الدوافع والأسباب التي شاء المسئولون عن عمليات الجيش البريطاني الذي كانت مهمته احتلال الإسكندرية والاحتفاظ بها فحسب ، أن يبرروا بها معاودة الهجوم على رشيد، وتفسير العوامل التي أدت إلى فشل محاولتهم الأولى، ويؤخذ مما ذكره «فريزر» و«مسيت» عدا تشبث هذين بفكرة الاستيلاء على رشيد وقلعة جوليان والرحمانية لتموين الإسكندرية أولا: أن «مسيت» لم يكتف بالإلحاح في ضرورة احتلال هذه المواقع، وسوف نرى فيما بعد أنه نفسه قد تخلى عن هذه الفكرة بعد فشل هذه المحاولة الثانية وهزيمة الإنجليز في الحماد، نقول: إنه لم يكتف بالإلحاح في ذلك، بل اتخذ من نزول النجدات العثمانية في دمياط وتدفقها - كما قال - على مصر ذريعة لتوسيع نطاق العمليات العسكرية حتى تشمل دمياط كذلك، الأمر الذي لا يتسنى فعله إلا إذا خضع جزء الدلتا الشمالي على الأقل لسيطرة الجيش البريطاني، وقد كان السبب في وصول هذه القوات العثمانية إلى دمياط أن الباب العالي بمجرد أن علم بنزول الإنجليز في الإسكندرية أرسل الططر إلى باشوات الشام يطلب منهم إنفاذ النجدات إلى مصر، وحضرت القوات التي تحدث عنها «مسيت» و«فريزر»، ثم حضر بعد ذلك من لدنه موسى باشا السلحدار عن طريق دمياط كذلك - لإبلاغ هذا الخبر إلى محمد - ولكن حضور هذه القوات كان يجب أن يكون في حد ذاته كافيا لإقناع «مسيت» ولإقناع «فريزر» الذي انساق وراء الأول وتأثر بآرائه في كل ما اتخذ من تدابير أثناء هذه الحملة المشئومة، بأنه من الحكمة افتراض أن انضمام هذه النجدات المنتظر إلى قوات الباشا، سوف يرجح كفة هذا الأخير على كفة الجنرال «فريزر» الذي كان يشكو من نقص قواته وحاجته إلى المؤن والذخائر، فيحدو هذا الافتراض بالميجور «مسيت» إلى نبذ فكرة الاستيلاء على دمياط، بل والإقلاع كذلك عن محاولة الاستيلاء على رشيد وقلعة جوليان والرحمانية، ولكن «مسيت» وقد وجد الجيش البريطاني يحضر أخيرا إلى الإسكندرية بعد أن ظل يلح في طلبه أكثر من عامين، وخصوصا بعد المناداة بولاية محمد علي، ووجد أن هذا الجيش قد احتل الإسكندرية، صار مسيطرا على تفكيره وجوب اتساع نطاق العمليات العسكرية رويدا رويدا؛ لتحقيق غرضين أحدهما متمم للآخر: أولهما : حمل البكوات المماليك على الحضور من الصعيد لنجدة البريطانيين، وثانيهما: تأسيس الحكومة المملوكية، مما سوف ينشأ عنه وبطريق هذه الحكومة ذاتها، إما استمالة حكومته إلى احتلال هذه البلاد، أو على الأقل بسط نفوذها عليها دون منازع.
وأما ما يؤخذ ثانيا مما ذكره «مسيت» و«فريزر» في رسائلهما، فهو أن الأخير كان يشعر بجسامة المسئولية إذا قدر لهذه الحملة الثانية الفشل، وأن الشك كان يساوره في قرارة نفسه في أن نجاحها محقق ومقطوع به، بينما خيل إلى «مسيت» أن النجاح مضمون ولا شيء يقف في طريقه، واشترك الاثنان في الاعتقاد بضرورة أن يأتي البكوات المماليك لمعاونة الجيش البريطاني: «فريزر» وسائر الضباط لحاجتهم القصوى إلى فرسان المماليك، وما يتوقعون حدوثه من مناوشات أو معارك بين البكوات وقوات محمد علي أثناء زحف البكوات من الصعيد إلى الدلتا، سوف تمنع الباشا من إرسال النجدات إلى رشيد أو غيرها من المواقع، و«مسيت» لأن حضور البكوات يمكنه من تنفيذ برنامجه بإتاحة الفرصة للدخول في عمليات عسكرية على نطاق أوسع تهدف إلى الاستيلاء على القاهرة ذاتها، وطرد محمد علي والأرنئود منها ومن البلاد بأسرها.
وأما ما يؤخذ ثالثا مما جاء في هذه الرسائل، فهو رسوخ الاعتقاد لدى «فريزر» و«مسيت» وخاصة هذا الأخير، بأن أهل البلاد - سواء في رشيد أو في القاهرة أو في غيرهما - يريدون نجاح الإنجليز، ويرحبون بالاحتلال البريطاني، وقد بني هذا الاعتقاد الفاسد على حوادث قليلة متفرقة ما كان يصح الاعتماد عليها في تكوينه، كما كان مبعثه ذلك النظام العاجز الذي أنشأه «مسيت» للمخابرات فزوده وكلاؤه بمعلومات، إما أنها كانت ناقصة أو خاطئة، إما أنها جاءته متأخرة بحيث تعذر عليه هو و«فريزر» الانتفاع منها، ولا شك في أن وجود أفراد من طراز الشيخ المسيري وأمين أغا في الإسكندرية، والشيخ حسن كريت في رشيد جعل «مسيت» و«فريزر» يعتقدان صحة زعمهما.
وأما الحوادث التي بنيا عليها حكمهما، فقد أوجز أكثرها «فينشنتزو تابرنا» في البحث الذي أجري فيما بعد عن الظروف والملابسات التي أحاطت بحملة «فريزر» وسببت فشلها، وذلك عندما سئل عما إذا كان قد سمع من أولئك الذين زاروه وقت أسره بالقلعة أن الجنود الذين كانوا بالقاهرة استعدوا لمبارحة البلاد بمجرد أن علموا بوصول الإنجليز إلى الإسكندرية؟ فقال: عندما زحفت الحملة الأولى على رشيد، اشترى الجند الأرنئود الخيول والبغال والحمير بضعف أثمانها لنقل عتادهم إلى الشام، وارتفع سعر الدبلون البندقي من عشرة قروش وربع القرش إلى أربعة عشر قرشا، وليس هناك أدنى شك في أنه لو سقطت رشيد وقتئذ ما كان الجيش البريطاني قد لقي أية مقاومة من جانب الأرنئود، وكان قد قام قبل ذلك أهل الصعيد؛ أي سكانه، بحركات عدائية ضد الأتراك، وفي قرى الوجه البحري رفض الأهلون إمداد الأرنئود بالمؤن التي طلبوها، وقد عرض شيخ دسوق المدعو إسماعيل عبد اللطيف خدماته على الجنرال «ستيوارت» وقت حصار رشيد أثناء الحملة الثانية ثم إنه رفض بعد ذلك إمداد الباشا بالمؤن عند نزول هذا مع قسم من جيشه صوب الإسكندرية وسوف يأتي ذكر ذلك في موضعه مما ترتب عليه جميعه أن هوجمت قريته، واستطاع الدفاع عن نفسه ثلاثة أيام متتالية، ولكنه عندما وجد أن من المستحيل عليه الاستمرار في المقاومة طويلا، لم يلبث أن انسحب تاركا المكان في سواد الليل، فدخل الأرنئود القرية دسوق في صبيحة اليوم التالي وقتلوا الرجال والنساء وباعوا البنات والصبيان.
ولما كان الأرنئود قد رفضوا السير ضد الجيش المحاصر لرشيد إلا إذا حصلوا على الأقل على مرتباتهم المتأخرة، فقد أرسل الباشا أربعمائة من جنده لجمع الإتاوات من إقليم الشرقية، ولكن الأهالي هرعوا إلى سلاحهم وأجهزوا على الأرنئود وفتكوا بهم، وقد بعث الباشا بقوة كبيرة عندما رفع الإنجليز الحصار عن رشيد للانتقام من أهل الشرقية، واضطر هؤلاء التعساء - لعجزهم عن المقاومة - إلى الهجرة إلى الشام .
وقد ذكر يوسف عزيز في إجاباته، كذلك مسألة عصيان بعض القرى وامتناع أهلها عن دفع الضرائب، فقال: إنه بلغه امتناع قرية بالقرب من رشيد بعد وصول حملة «فريزر» إلى الإسكندرية عن تلبية أوامر حكومة الباشا ودفع الضرائب إلا إذا جاءها أمر بذلك من القائد الإنجليزي بالإسكندرية، وحمل أهلها السلاح لمقاومة الحاكم عندما أراد هذا إرغامهم على الدفع، وقد غادرها أهلها بعد هزيمة الإنجليز الأولى في رشيد، وذهبوا للعيش مع العربان في الصحراء، وقد فعلت مثل هذا قرية أخرى في الشرقية، فقاوم أهلها ثم حصل لهم ما حصل لأهل القرية الأولى.
وأما الشيخ إسماعيل عبد اللطيف شيخ قرية دسوق فقد كتب في 16 أبريل إلى الجنرال ستيوارت قائد القوات المحاصرة لرشيد، يقول إنه إنما بعث إليه بكتابه هذا؛ حتى يبلغه ما يكنه من عواطف المحبة الصادقة للإنجليز، وما يشعر به من كراهية عميقة، وحنق عظيم على الأتراك والأرنئود الذين ساموا الأهلين الخسف، وأرهقوهم بمظالمهم إرهاقا شديدا، ثم استمر يقول: «ومن اللحظة التي صار فيها الأمر والنهي لهؤلاء الأتراك، وصارت في يدهم أزمة الحكم (ويقصد الشيخ عبد اللطيف استلام هؤلاء للحكم بعد خروج الفرنسيين) جعلني طغيانهم عدوا لهم؛ ولذلك فقد كان فرحي عظيما عندما بلغني أن الجيش الإنجليزي قد نزل إلى البلاد، لعلمي بأنهم يحكمون حكما طيبا، ويشفقون على الأهلين التعساء، ولقد أعلنت نفسي الآن عدوا للأتراك والأرنئود، ورفضت أن أزودهم بالمؤن والإمدادات التي طلبوها مني، وفي عزمي إذا مر الجند الأتراك بالقرب من قريتي أن أدفعهم عنها وأطردهم بالقوة، ويحزنني جدا أن تظل رشيد ممتنعة عليكم كل هذه المدة الطويلة؛ لأن سكان الدلتا يعانون كل سوء، ويلحق بهم كل أذى على أيدي الأتراك، وأبتهل إلى المولى تعالى أن يسقط رشيد في قبضتكم سريعا جدا، حتى أتحرر من الظلم والاستبداد الواقعين علي، وتلك هي رغبات الأهلين جميعهم، ولدي ألف من الرجال المسلحين، فإذا شئت جئتك، وانضممت إليك، وأنت تعرف الآن أن لك صديقا في شخصي، وأني مستعد لتنفيذ أية أوامر قد ترى إصدارها إلي.»
ولكنه لما لم يكن لدى «ستيوارت» تعليمات تخوله قبول مساعدة من النوع الذي اقترحه الشيخ عليه، فقد رفض القائد الإنجليزي الانتفاع من هذا العرض، لا سيما وأن الشيخ عبد اللطيف كان مصمما على مقاومة حكومة الباشا فعلا كما أثبتت الحوادث بعد ذلك.
ناپیژندل شوی مخ