114

مرقاة المفاتيح شرح مشکاة المصابیح

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

خپرندوی

دار الفكر

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

تَحْصُلُ إِلَّا بِعِنَايَةٍ إِمَّا فِي بِدَايَةٍ أَوْ نِهَايَةٍ، سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ مَقْرُونَةً بِحُسْنِ رِعَايَةٍ، فَكَأَنَّهُ ﵊ يَقُولُ: النَّجَاةُ فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى مِثْلِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ فِي الْكُفْرِ، وَلَوْ قَالَهَا مَرَّةً كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ عِنْدَ اللَّهِ لِاسْتِخْلَاصِهِ، وَنَجَاةٌ لَهُ مِنْ عَذَابِهِ، فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنَ الْمُسْلِمِ وَهِيَ مَخْلُوطَةٌ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ؟ فَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فِي كَلَامِهِ لَمْ يُفَخِّمْ هَذَا التَّفْخِيمَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ عَنِ الصَّحَابِيِّ يَعْنِي عُثْمَانُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵄. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
٤٢ - وَعَنِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " «لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، بِعِزِّ عَزِيزٍ وَذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا ". قَلْتُ فَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. ــ ٤٢ - (وَعَنِ الْمِقْدَادِ ﵁ هُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ حَالِفَ كِنْدَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ابْنَ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيفُهُ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِهِ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ عَبْدًا فَتَبَنَّاهُ، وَكَانَ سَادِسًا فِي الْإِسْلَامِ. رَوَى عَنْهُ عَلِيٌّ، وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَمَاتَ بِالْجُرْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً. (أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ كَلَامَهُ ﷺ يَقُولُ) حَالٌ، وَقِيلَ: مَفْعُولٌ ثَانٍ (لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ) أَيْ وَجْهِهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهَا فَلَا يُنَافِي مَا قِيلَ: إِنَّ وَرَاءَ الصِّينِ قَوْمًا لَمْ تَبْلُغْهُمْ إِلَى الْآنِ بِعْثَتَهُ ﵊ (بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ) أَيِ الْمُدُنُ، وَالْقُرَى، وَالْبَوَادِي، وَهُوَ مِنْ وَبَرِ الْإِبِلِ أَيْ شَعَرِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ مِنْهُ وَمِنْ نَحْوِهِ خِيَامَهُمْ غَالِبًا، وَالْمَدَرُ جَمْعُ مَدَرَةٍ، وَهِيَ اللَّبِنَةُ (إِلَّا أَدْخَلَهُ) فَاعِلُ أَدْخَلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ بِدَلِيلِ تَفْصِيلِهِ بِقَوْلِهِ: إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ (كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ): مَفْعُولُهُ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ ظَرْفٌ، وَقَوْلُهُ: (بِعِزِّ عَزِيزٍ) حَالٌ، أَيْ أَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَيْتِ مُلْتَبِسَةً بِعِزِّ شَخْصٍ عَزِيزٍ أَيْ يُعِزُّهُ اللَّهُ بِهَا حَيْثُ قَبِلَهَا مِنْ غَيْرِ سَبْيٍ وَقِتَالٍ (وَذُلِّ ذَلِيلٍ) أَيْ أَوْ يُذِلُّهُ اللَّهُ بِهَا حَيْثُ أَبَاهَا، وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ، وَالْمَعْنَى يُذِلُّهُ اللَّهُ بِهَا حَيْثُ أَبَاهَا، وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ، وَالْمَعْنَى يُذِلُّهُ اللَّهُ بِسَبَبِ إِبَائِهَا بَذُلِّ سَبْيٍ أَوْ قِتَالٍ حَتَّى يَنْقَادَ إِلَيْهَا كَرْهًا أَوْ طَوْعًا، أَوْ يُذْعِنُ لَهَا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ، وَالْحَدِيثُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] ثُمَّ فَسَّرَ الْعِزَّ وَالذُّلَّ بِقَوْلِهِ: (إِمَّا يُعِزُّهُمْ) أَيْ قُومًا أَعَزُّوا الْكَلِمَةَ بِالْقَبُولِ (فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا) بِالثَّبَاتِ إِلَى الْمَمَاتِ (أَوْ بَذُلِّهِمْ) أَيْ قَوْمًا آخَرِينَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْكَلِمَةِ وَمَا قَبِلُوهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَذَلُّوهَا، فَجُوزُوا بِالْإِذْلَالِ جَزَاءً وِفَاقًا (فَيَدِينُونَ لَهَا) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يُطِيعُونَ وَيَنْقَادُونَ لَهَا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِسْلَامَ الْحَرْبِيِّ مُكْرَهًا خَشْيَةَ السَّيْفِ صَحِيحٌ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾ [التوبة: ٢٩] أَيْ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ، أَوْ مَعَ ضَرْبِ كَفِّ فِي عُنُقٍ، أَوْ لَطْمِ يَدٍ فِي وَجْهٍ ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] أَيْ أَذِلَّاءُ مُهَانُونَ وَمُحْتَقَرُونَ. (قُلْتُ): الْقَائِلُ الْمِقْدَادُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِ ﵊ بَلْ عِنْدَ رِوَايَتِهِ؛ فَلِهَذَا مَا ذُكِرَ لَهُ جَوَابٌ («فَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ») أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَتَكُونُ الْغَلَبَةُ لِدِينِ اللَّهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، وَقِيلَ: إِنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَحَلُّ الْكُفْرِ، بَلْ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ يَصِيرُونَ

1 / 116