من الرقط في أنيابها السم ناقع
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع!
ومنها وشاية بين الصديق والصديق، وبين الأليف والأليف تحول الصفاء جفاء، والمودة عداء ... ومنها الوشاية بين الحبيبين تلك التي قال فيها الشعراء فأجادوا، وأحسنوا.
والقول في شكوى المحبين من وشاية الوشاة، وعذل العذال، ورقابة الرقباء، خليق أن يطول، وتلتوي مذاهبه، ولكني - أيدك الله - لم أكتب إليك في ذلك، ولم أرد أن أظهرك عليه. وإنما هو شيء عرض أثناء الحديث فألممت به إلماما ... وأعود إلى ما بدأت به من تحذيرك سعي الوشاة إليك، وسعي الوشاة بك، فأذكرك - وما أنت في حاجة إلى التذكرة - بما ترجم ابن المقفع في كليلة ودمنة، وبما روى الرواة عن ملوك العرب والعجم، وبما قالت الحكماء في ذلك من بارع الموعظة، وروائع الحكم. وأنت - حفظك الله - حين تنظر في بعض ذلك خليق أن تستقبل أمرك بالحزم، وأن تقيم سيرتك على الحذر، وأن تسوس أصحابك بالتحفظ، وألا تمضي من أمرك ما تمضي، ولا تدع منه ما تدع، حتى تروي فتطيل الروية، وتستبصر فتحسن الاستبصار.
ومن حقك على نفسك، ومن حق الناس عليك، أن تتهم الذين يسعون إليك، ويطيفون بك. فإن اتهام فريق من الناس، والتثبت قبل الاستجابة إلى ما يدعونك إليه؛ خير لك، وأسلم عاقبة من ظلم البريء، والإساءة إلى المحسن، والإحسان إلى المسيء، والتجاوز عن المجرم. وقد أمر الله - عز وجل - نبيه
صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم أن يتثبتوا إن جاءهم فاسق بنبأ مخافة أن يصيبوا قوما بجهالة فيصبحوا على ما فعلوا نادمين. والله - عز وجل - قد وضع في أعناق العلماء أن ينصحوا للحكام فيخلصوا في النصيحة، وأن يعظوهم فيحسنوا الموعظة، وأن يذكروهم بآيات الله كلما تعرضوا لنسيانها أو هموا أن يتحولوا عنها. ومن أجل هذا كتبت إليك ناصحا لك أمينا في النصيحة، وواعظا لك مخلصا في الموعظة، ومحذرا لك من الله الذي حذر الناس نفسه، ومذكرا لك بآيات الله الذي طلب إليهم أن يتذكروا آياته.
وما أجدر الذين يسوسون الناس، ويدبرون أمورهم، ويقضون في أنفسهم وأموالهم؛ أن يضعوا أمامهم صحيفة يلقون عليها نظرهم بين حين وحين، وقد كتبت فيها هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الحجرات:
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون * يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم .
ذلك أحرى أن يعصمهم من المظالم، وأن ينزههم عن الكيد، ويجنبهم كثيرا من الظن، ويحملهم على ألا يأخذوا الناس بالشبهات.
ناپیژندل شوی مخ