فسألتها بامتعاض: ولكن ما السبب؟ - آه، فلنرجع خطوة إلى الوراء، إلى حادثة لم أشهدها لأني كنت مثلكم مستغرقة في النوم. - وهي؟ - قالت زهرة: إن حسني علام رجع من الخارج سكران فحاول أن ... - لا! - إني أصدقها يا مسيو عامر. - وأنا أيضا، ولكن حسني لم يلاحظ عليه أنه ... - لا يمكن أن نلاحظ كل شيء. وقد استيقظ سرحان في الوقت المناسب، فكان ما كان. - يا للأسف!
مسحت على عنقها كأنما لتزيل عنه الألم الذي ألم بأوتار صوتها من الزعق، ورجعت تقول: لا .. فليذهبوا إلى الجحيم.
فقلت بامتعاض: على الأقل يجب أن يذهب حسني علام.
لم تعلق على قولي، بل ولم تتحمس له، ثم غادرت الحجرة متجهمة.
ولما جاءتني زهرة عصر اليوم التالي تبادلنا نظرات ذات معنى. غمغمت: أسفت جدا يا زهرة.
فقالت بسخط: رجال بلا شهامة. - للحق إن المكان لا يليق بك. - بوسعي دائما أن أدافع عن نفسي، وقد فعلت. - ولكن ليست هذه بالحياة المطمئنة التي ترجى لبنت طيبة مثلك.
فقال بعناد: يوجد أرذال في كل مكان، حتى في القرية. •••
غادرت البنسيون عقب أيام حبست فيها داخله لشدة البرد وثورة الرياح وانهلال المطر. كانت أياما فظيعة فانطوينا على أنفسنا في الحجرات، ولكن لم يكف الجو عن مهاجمتنا في قواقعنا، لطمت المياه النوافذ، وزلزلت الجدران بصواعق الرعد، وومض البرق كالنذر، وصرخت الرياح كعزيف الجان.
ولما غادرت البنسيون استقبلني الوجه الآخر للإسكندرية، الذي أفرخ غضبه. وثاب إلى وداعته، تلقيت الشعاع الذهبي المغسول بامتنان، نظرت إلى الأمواج وهي تتتابع في براءة، على حين نقشت السماء بسحائب صغيرة متهافتة كالأنفاس المترددة. جلست في التريانون لأشرب القهوة باللبن. كما كنت أجلس في الأيام الخالية مع الغرابلي باشا والشيخ جاويش ، ومدام لبراسكا الإفرنجية الوحيدة التي جربتها وسط طوفان من الملاءات اللف! جلس معي طلبة مرزوق بعض الوقت ثم انصرف إلى بهو وندسور لمقابلة صديق قديم. وإذا بسرحان البحيري يقبل نحوي فيسلم ويجلس ثم يقول: فرصة سعيدة. دعني أودعك فقد لا ألقاك وأنا أغادر البنسيون.
سألته بدهشة: هل عزمت على الرحيل؟
ناپیژندل شوی مخ