فإن أهم التكليف علم العقائد، وإن الظفر بالحق فيه مراحل الفوائد، وأنه قد كثرت فيه الآراء واتبعت فيه الأهواء وعدل أكثر الناس فيه عن التحقيق، وسلكوا بنيات الطريق، فمن شق قسطا ولى بجحد المشاهدات، ويحاول دفع الضرورات، وملحد يبكي الصانع ويضيف التأثير إلى الطبائع، وفلسفي ينفي عن الله الاختيار ويعول على العقل والفلك الدوار وباطني يقول بالسابق والتالي، ويعمد غير الله، ولا يبالي، ومطرفي يقصر تأثير الصانع على الأصول، وهو لم يحصل من إثباته تعالى على محصول، وثنوي يقول بالقديم الثاني /2/، وآخر يتلوه في قديم المعاني، وبرهمي ينفي النبوة رأسا، وذمي لا يرى في تكذيب الرسل بأسا، ومجسم يشبه الله تعالى بالمحدثات، ويثبت له الجوارح والآلات، ومجبر يعتذر للشياطين والعصاة، ويحمل مساوي العباد على الله، ومرج يتعلل بالإخلاص والأمالي، ويبني دينه على حرف التواني، ورافض يبغض شيوخ الإسلام، ويخبط من الغلو والتعصب في ظلام. فهذه أصول فرق الضلالة، والذين تفرعت عنهم كل جهالة، كل منهم بمذهبه فرح مسرور، ورحاهم الكل على قطب الغواية تدور، ليس على غير الباطل يعولون، ويوم تقوم الساعة يومئذ يحسر المبطلون، لقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، وصاح بهم إلى مخالفة الحق فاستمعوه، واستفز بمكره منهم من استطاع وصار له من علماء السوء أتباع، يدعون له إلى كل بدعة وضلال، ويبالغون في نصرته بالأقوال والأعمال، قد انتصب منهم في كل فرقة أمير يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ويسلك منهم في كل بدعة منهجا، اقتداء بالذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، شرعوا للناس من الدين ما لم يأذن به الله، وسقفوا لهم بالتمويه على كل مهواة، فاستمالوا بشبههم أفئدة الطغام، وأنزلوا على قضيتهم جمهور العوام، إلى أن صارت الطائفة المحقة فرقة من نيف وسبعين فرقة، فلست تكاد ترى للحق محبا، إلا من يصغي لسماع الحجة قلبا، ولا يظفر بمنصف يناظر لله، ويقبل واضح الحق من حيث أتاه.
مخ ۴