============================================================
بعوضة ، فكان في ذلك بمنزلة الكلب الذي لا يعرف الإكرام والراحة من الإهانة والمشقة، والرفعة والشرف من الحقارة والخية، فهو في الحالتين يلهث، وإنما الكرامة كلها عنده في كسرة يطعمها ، أو عراق مائدة يرمى إليه (1)، سواء تقعده على سرير معك، أو تقيمه في الثراب والقذر بين يديك، فهمثه وكرامثه ونعمثه كلها في ذلك .
فهذا العبذ الشوء جهل قدر نعمتنا، ولم يعرف حق ما آتيناه من كرامتنا، فكلت بصيرته ، وساء في مقام القربة أدبه بالالتفات إلى غيرنا، والاشتغال عن ذكر نعمتنا بدنيا حقيرة، ولذة خسيسة، فنظزنا إليه نظر السياسة، وأحضزناه ميدان العدل، وأمرتا فيه بحكم الجبروت، فسلبناه جميع لعنا وكرامتنا، ونزغنا من قلبه معرفتنا، فانسلخ عاريا عن جميع ما آتيناه من فضلنا ، فصار كلبا طريدا، وشيطانا رجيما مريدا، نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سخطه، وأليم عقابه، إنه بنا رؤوف رحيم.
ثم أقنع بمثال ملك يكرم عبدا له، فيخلع عليه خاصة ثيابه، ويقربه منه، ويجعله فوق سائر خدامه وحجابه، وأمره بملازمة بابه، ثم أمر أن تبنى له في موضع آخر القصور، وتوضع له الأسرة، وتنصب له الموائد، وتزين له الجواري، وتقام له الغلمان، حتى إذا رجع من الخدمة.. أجلس هنالك ملكا مخدوما مكرما، وما بين حال خدمته إلى ملكه وولايته إلأ ساعة من نهار أو أقل، فإن أبصر هلذا العبذ بجانب باب الملك سائسا للدواب يأكل رغيفا، أو كلبا يمضغ عظما، فيشتغل عن خدمة الملك بنظره إليه، وإقباله عليه، ولا يلتفت إلى ما له من الخلع والكرامة ، فيسعى إلى ذلك الشائس، ويمدآ يده، ويسأله كسرة من رغيفه ، أو يزاحم الكلب على عظمه، ويغبطهما ويعظم ما هما فيه. أليس الملك إذا نظر إليه على مثل هلذه الحالة. . يقول : هذا سفيهآ، حسيس الهمة، لم يعرف حق كرامتنا، ولم ير قدر إعزازنا إتاه بخلعنا،
مخ ۲۶۴