============================================================
5اان بشالله الرمزالرحينو وبهو ذستتوين [خطبه الكثابث] قال الشيخ الفقيهآ الصالح الزاهد عبد الملك بن عبد الله رضي الله عنه : أملى علي الإمام الأجل، الزاهذ الموفق، حجة الإسلام، زين الدين، شرف الأئمة ، محيي الأقة ، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي رضي الله عنه هذذا الكتاب، وهو آخر كتاب صيقه، ولم يلتمسه منه إلأ الخواص من اصحابه وهو: الحمذ لله الملك الحكيم، الجواد الكريم، العزيز الرحيم، الذي فطر السماوات والأرض بقدرته ، ودير الأمر في الدارين بحكمته ، وما خلق الجن والإنس إلأ لعبادته، فالطريق إليه واضح للقاصدين، والدليل عليه لاتخ للناظرين ، ولكن الله يضل من يشاء ، ويهدي من يشاءآ ، وهو أعلم بالمهتدين.
والصلاة على سيدنا محمد سيد المرسلين ، وعلى آله الأبرارالطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين، وسلم وعظم إلى يوم الدين : اعلموا إخواني - أسعدكم الله وإيانا بمرضاته - أن العبادة ثمرة العلم، وفائدة العمر، وحاصل العبد، وبضاعة الأولياء، وطريق الأقوياء ، وقسمة الأعزة، ومقصد ذوي الهمة ، وشعار الكرام، وحرفة الرجال ، وأختيار أولي الأبصار، وهي سبيل الشعادة ، ومنهاج الجنة ، قال الله تعالل : وأنا ريكم فأعبدوت}، وقال تعالى : إن هلذا كان لݣرجزاء وكان سعيكر مشكورا) ثم إنا نظرنا فيها ، وتأملنا طريقها من مبادئها إلى مقاصدها التي هي أماني سالكيها.. فإذا هي طريق وغر، وسبيل صعب، كثيرة العقبات، شديدة
مخ ۳۵
============================================================
المشقات، بعيدة المسافات، عظيمة الآفات، كثيرة العواثق والموانع، خفية المهالك والمقاطع ، غزيرة الأعداء والقطاع ، عزيزة الأشياع والأتباع، وهلكذا يجب أن تكون ؛ لأنها طريق الجنة ، فيصير هلذا تصديقا لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الجنة حفت بالمكاره ، وإن النارحفت بالشهوات "(1).
وقال صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن الجنة حزن بربوة ، ألا وإن النار سهل بسهوة"(2).
ثم مع ذلك كله فإن العبد ضعيف ، والزمان صعب ، وأمر الدين متراجع، والفراغ قليل، والشغل كثير ، والعمر قصيرة ، وفي العمل تقصير ، والناقد بصير ، وإلى الله المصير، والأجل قريث، والسفربعيد ، والطاعة هي الزاد فلا بد منها، وهي فائته فلا مرد لها، فمن ظفر بها. . فقد فاز وسعد أبد الآبدين، ومن فاته ذلك . . فقد خسرمع الخاسرين، وهلك مع الهالكين.
فصار هذا الخطب إذن والله معضلا، والخطر عظيما، ولذلك عز من يقصد هلذا الطريق وقل، ثم عز من القاصدين من يسلكه ، ثم عز من السالكين من يصل إلى المقصود ، ويظفر بالمطلوب ، وهم الإآعزة الذين أصطفاهم الله عز وجل لمعرفته ومحبته، وسددهم بتوفيقه وعصمته، ثم أوصلهم بفضله إلى رضوانه وجنته، فنسأله جل ذكرهآ أن يجعلكم وإيانا من أولئك الفائزين برحمته .
نعم؛ ولما وجذنا هلذه الطريق بهلذه الصفة . . نظرنا فأمعنا النظر في كيفية قطعها، وما يحتاج إليه العبذ من الأهبة والعدة والآلة والحيلة من علم وعمل، عسى أن يقطعها بحسن توفيق الله تعالى في سلامة، ولا ينقطع في عقباتها المهلكة، فيهلك مع الهالكين، والعياذ بالله.
مخ ۳۶
============================================================
فصنفنا في قطع هلذه الطريق وسلوكها كتبا ، ك " إحياء علوم الدين" ، و1 القربة إلى الله تعالى" ، وغير ذلك، فاحتوت على دقائق من العلوم اعتاصت علن أفهام العامة(1)، فقدحوا فيها، وخاضوا فيما لم يحسنوه منها، فأيي كلام أفصح من كلام رب العالمين وقد قالوا فيه : إنه أساطير الأؤلين ؟!
الم تسمع إلى قول زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين حيث يقول : اني لاكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم في هنذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولأستحل رجان مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونهآ حسنا وأقتضت الحال عند ذوي الألباب الذين هم أشرف خلق الله النظر إلى كافة خلق الله تعالى بعين الوحمة وترك المماراة ، فابتهلت إلى من بيده الخلق والأمر أن يوفقني لتصنيف كتاب يقع عليه الإجماع ، ويحصل بقراءته الانتفاع، فأجابني إلى ذلك الذي يجيب المضطر إذا دعاهآ ، وأطلعني بفضله على أسرار ذلك، وألهمني فيه ترتيبا عجيبا لم أذكزه فى المصنفات التى تقدمث في أسرار معاملات الدين ، وهو الذي أنا له واصف ، فأقول وبالله التوفيق : إن أول ما يتنبه العبذ للعبادة، ويتحرك لسلوك طريقها.. يكون بخطرة سماوية من الله تعالى، وتوفيق خاص إللهي ، وهو المعني بقوله سبحانه وتعالى : أفمن شرح الله صذره للإسلكو فهو على نور من رته} ، وإليه أشار صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم فقال : " إن النور إذا دخل القلب . . انفسح وانشرح" فقيل : يا رسول الله؛ هل لذلك من علامة يعرف بها؟ فقال : " نعم ، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت "(2).
() اعتاصت على افهام العامة : عسر كشفها، فلم يهتد إلى جهة الصواب فيها (2) أخرجه الحاكم (311/4)، والبيهقي في "الشعب "(10068) عن ابن مسعود رضي الله عنه
مخ ۳۷
============================================================
فاذا خطر بقلب العبد اول كل شيء : أني أجدني منعما بضروب من النعم ، كالحياة والقدرة، والعقل والنطق، وسائر المعاني الشريفة واللذات ، وما ينصرف عني من ضروب المضار والافات ، وأن لهذه النعمة منعما يطالبني بشكره وخدمته ، إن غفلت عن ذلك.. فيزيل عني نعمته، ويذيقني بأسه ونقمته، وقد بعث إلي رسولا نذيرا، ايده بالمعجزات الخارقة للعادات، الخارجة عن مقدور البشر ، وأخبرتي أن لي ربا - جل ذكؤه - قادرا عالما، حيا متكلما، يأمروينهى، قادرا على أن يعاقب إن عصيته، ويثيب إن أطعته، عالما بأسراري وما يختلج في أفكاري، وقد وعد وأوعد، وأمر بالتزام قوانين الشرع.. فيقع(1) في قلبه أنه ممكن - إذ لا استحالة لذلك في العقل - بأول البديهة، فيخاف على نفسه عند ذلك ويفزع فهذا خاطو الفزع الذي ينبه العبد ويلزمه الحكة، ويقطع عنه المعذرة ، ويزعجه إلى النظر والاستدلال ، فيهتاج العبد عند ذلك، ويقلق وينظر في طريق الخلاص وحصول الأمان له مما وقع بقلبه، أو سمع بأذنه، فلم يجذ فيه سبيلا سوى النظر بعقله في الدلاتل ، والاستدلال بالصنعة على الصانع ، ليحصل له العلم اليقين بما هو الغيث، ويعلم أن له ربا كلفه وأمره ونهاه.
فهلذه أول عقبة استقبلثه في طريق العبادة ، وهي عقبة العلم والمعرفة، ليكون من الأمر على بصيرة، فيأخذ في قطعها من غير بد بحسن النظر في الدلائل، ووفور الثائل والتعلم، والشؤال من علماء الآخرة الذين هم أدلأء الطريق ، سرج الأمة، وقادة الأنمة ، والاستفادة منهم، واستمداد الدعاء الصالح منهم، للتوفيق والإعانة إلى أن يقطعها بتوفيق الله سبحانه وتعالى، فيحصل له العلم واليقين بالغيب ، وهو أن له إلها واحدا لا شريك له ، هو الذي خلقه وأنعم عليه بكل هلذه النعم ، وأنه كلفه بشكره، وأمره بخدمته وطاعته بظاهره وباطنه، وحذره الكفر وضروب المعاصي ، وحكم له بالثواب الخالد إن
مخ ۳۸
============================================================
أطاعه، وبالعقاب الخالد إن عصاه وتولى عنه، فعند ذلك تبعثه هذذه المعرفة واليقين بالغيب على التشمير للخدمة ، والإقبال على العبادة لهاذا السيد المنعم الذي طلبه فوجده، وعرقه بعد ما جهله، ولكنه لا يدري كيف يعبده، وماذا يلزمه من خدمته بظاهره وباطنه فبعد حصول هذذه المعرفة بالله سبحانه وتعالى، واستكمال العلم والمعرفة.
جهد حتى يتعلم ما يلزمآه من الفرائض الشرعية ظاهرا وباطنا .
فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض. . انبعث ليأخذ في العبادة ويشتغل بها، فنظر فإذا هو صاحث جنايات وذنوب - هلذا حال الأكثر من الناس- فيقول : كيف أقبل على العبادة وأنا مصر على المعصية متلطخ بها ؟! فيجب علي أولا أن أتوب إليه؛ ليغفر لي ذنوبي، ويخلصني من أسرها ، ويطهرني من أقذارها، فأصلح للخدمة وبساط القربة، فتستقبله هلهنا عقبة التوبة، فيحتاج لا محالة إلى قطعها، ليصل إلى ما هو المقصوذ منها، فأخذ في ذلك باقامة التوبة في حقوقها وشرائطها إلى أن قطعها فلما حصلث له الثوبة الصادقة ، وفرغ من قطع هلذه العقبق. حنا العبادة ليأخذ فيها، فنظر فإذا حوله عوائق محدقة به، كل واحدة منها تعوقه عما قصد من العبادة بضرب من التعويق، فتأمل فإذا هي آربع: الدنيا، والخلق، والشيطان، والنفس، فاحتاج لا محالة إلى دفع هلذه العوائق وإزاحتها عنه، وإلا.. فلا يتأتى له أمرآه من العبادة، فاستقبلته هلهنا عقبة بوائق، فيحتاج إلى قطعها بأربعة أمور: التجرؤد عن الدنيا ، والتفرود عن الخلق، والمحاربة مع الشيطان، والمخالفة للنفس.
فأما التفس فأشدها ؛ إذ لا يمكنه التجرود عنها ، ولا أن يقهرها بمرة ويقمعها كالشيطان؛ إذ هي المطية والآلة، ولا مطمع أيضا في موافقتها على ما يقصده العبد من العبادة والإقبال عليها ؛ إذ هي مجبولة على ضد الخير كالهوى واتباعها له، فاحتاج إذن إلى أن يلجمها بلجام التقوى؛ لتبقى له فلا تنقطع، وتنقاد له
مخ ۳۹
============================================================
فلا تطغى، فيستعملها في المصالح والمراشد، ويمنغها عن المهالك والمفاسد، فيأخذ إذن في قطع هلذه العقبة، ويستعين بالله جل ذكره على ذلك : فلما فرغ من قطعها.. رجع إلى قصد العبادة، فإذا عوارض تعترضه، فتشغله عن الإقبال على مقصوده من العبادة، وتصده عن التفرغ لذلك كما ينبغي ، فتأمل فإذا هي أربعة: الأول : الرزق، تطالبه النفس به وتقول : لا بد لي من رزق وقوام، وقد تجردت عن الدنيا ، وتفردت أيضا عن الخلق ، فمن أين يكون قوامي ورزقي ؟!
والثاني : الأخطار من كل شيء يخافه أو يرجوه ، أو يريده أو يكرهه، ولا يدري صلاحه في ذلك أو فساده ؛ فإن عواقب الأمور مبهمة، فيشتغل قلبه بها، فإنه ريما يقع في فساد أو مهلكة .
والثالث: الشدائد والمصائب تنصث عليه من كل جانب ، لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق ، ومحاربة الشيطان، ومضادة النفس، فكم من غصة يتجرغها، وكم من شدة تستقبله، وكم من هم وحزن يعترضه، وكم من مصيبة تتلقاه.
والوابع : أنواع القضاء من الله سبحانه وتعالى بالحلو والمر ، ترد عليه حالا فحالا، والنفس تسارع إلى الشخط، وتبادر إلى الفتنة ، فاستقبلته هلهنا عقبة العوارض الأربعة ، فاحتاج إلى قطعها بأربعة أشياء : التوكل على الله سبحانه في مواضع الرزق ، والتفويض إليه في مواضع الخطر ، والصبر عند نزول الشدائد، والرضا عند نزول القضاء، فأخذ في قطع هذه العقبة باذن الله تعالى وتسديده وحسن تأييده.
فلما فرغ من قطعها وعاد إلى قصد العبادة. . نظر فإذا النفس فاترة كسلى ، لا تنشط ولا تنبعث لخير كما يحق وينبغي، وإنما ميلها أبدا إلى غفلة ودعة، وراحة وبطالة، بل إلى شر وفضول، وبلية وجهالة ، فاحتاج معها هلهنا إلى سائي يسوقها إلى الخير والطاعة وينشطها له ، وزاجر يزجرها عن الشر والمعصية
مخ ۴۰
============================================================
ويفترها عنه، وهما: الرجاء والخوف، فالرجاء في عظيم ثواب الله سبحانه وحسن ما وعد من أنواع الكرامة وتذكر ذلك سائق يسوقها فيبعثها على الطاعة ، ويحركها لذلك وينشطها ، والخوف من أليم عقاب الله عز وجل وصعوبة ما أوعد من أنواع العقوبة والإهانة زاجر يزجرها عن المعصية، ويجنبها ويفتروها عن ذلك: فهذه عقبة البواعث استقبلته هلهنا، فاحتاج إلى قطعها بهلذين الذكرين(1)، فأخذ فيها بحسن توفيق الله عز وجل فقطعها فلما فرغ منها.. رجع إلى الإقبال على العبادة ، فلم ير عائقا ولا شاغلا ، ووجد باعثا وداعيا، فنشط في العبادة فأقامها، وعانقها بتمام الشوق والرغبة فأدامها، فنظر فإذا تبدو لهذه العبادة التي احتمل فيها كل ذلك آفتان عظيمتان ، وهما: الرياء والعجب، تارة يرائي بطاعته الناس فيفسدها ، وأخرى يمتنع عن ذلك ويلوم تفسه فيها، فيعجب بنفسه فيحبط العبادة عليه ويتلفها ويفسدها، فاستقبلته هلهنا عقبة القوادح، فاحتاج إلى قطعها بالإخلاص وذكر المنة
ونحوها، ليسلم له ما يعمل من خير، فأخذ في قطع هلذه العقبة بإذن الله سبحانه وتعالى بجد واحتياط، وتيقظ بحسن عصمة الجبار تعالى وتأييده.
فلما فرغ من هلذه كلها.. حصلت له العبادة كما يحق وينبغي، وسلمت من كل آفة، وللكنه نظر فإذا هو غريق في بحور منن الله تعالى وأياديه من كثرة ما أنعم الله عليه من إمداد التوفيق والعصمة، وأنواع التأييد والحراسة، وخاف أن يكون منه إغفال للشكر ، فيقع في الكفران ، فينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التي هي مرتبة الخدم المخلصين لله عز وجل، وتزول عنه تلك النعم الكريمة من ضروب ألطاف الله تعالى وحسن تأييده ونظره إليه، فاستقبلته ههنا عقبة الحمد والشكر، فأخذ في قطعها بما أمكنه من كثرة الحمد والشكر على كثير نعيه .
فلما فرغ من قطع هلذه العقبة وتزل. . نظر فإذا هو بمقصوده ومبتغاه بين
مخ ۴۱
============================================================
يديه، فلم يسز إلأ قليلا حتى وقع في سهل الفضل ، وصحراء الشوق، وعرصات المحبة ثم يقع في رياض العرفان والرضوان ، وبساتين الأنس إلى بساط الانبساط، ومرتبة التقريب ، ومجلس المناجاة ، ونيل الخلع والكرامات(1)، فهو يتنعم في هلذه الحالات، ويتقلب في طيبها أيام بقائه، وبقية عمره ، بشخصي في الثنيا، وقلب في العقبى، ينتظر البريد يوما فيوما، وساعة فساعة، حتى يمل الخلق كلهم ، ويستقذر الذنيا ويحن إلى الموت: ل واستكمل الشوق إلى الملأ الأعلى ، فإذا هو برسل رب العالمين إليه ، يردون عليه بالروح والريحان، والبشرى والرضوان، من عند رب راضي غير غضبان، فينقلونه في طيبة نفسي، وتمام البشر والأنس، من هلذه الدار الفانية المفتنة إلى الحضرة الإلهية ، ومستقر رياض الجنة، فيرى لنفسه الضعيفة الفقيرة نعيما مقيما، وملكا عظيما، ويلقط هناك من سيده الرحيم المفضل الكريم جل ذكره من اللطف به والعطف، والترحيب والتقريب، والإنعام والإكرام، ما لا يحيط به وصف الواصفين، ونعت الناعتين، فهو في كل يوم في زيادة إلى أبد الابدين، فيا لها من سعادة عظيمة ا ويا لها من دولة عالية ! ويا له من عبد مسعود، وامرىء مغبوط، وشأن محمود ، فطوبى له وحسن مآب نسأل الله البر الرحيم سبحانه أن يمن علينا وعليكم بهلذه النعمة العظيمة، والمنة الجسيمة ، وما ذلك على الله بعزيز ، وألا يجعلنا من الذين لا نصيب لهم من هلذا الأمر إلأ وصف وسماغ ، وعلم وتمن بلا انتفاع ، وألا يجعل ما تعلمناه من العلم حجة علينا يوم القيامة، وأن يوفقنا جميعا للعمل بذلك، والقيام به كما يحث ويرضى، إنه أرحم الراحمين ، واكرم الأكرمين.
فهلذا هو الترتيب الذي ألهمني مولاي في طريق العبادة.
مخ ۴۲
============================================================
فاعلم الآن : أن الحاصل من الجملة سبع عقبات : الأولى : عقبة العلم.
الثانية : عقبة التوبة.
الثالثة : عقبة العوائق.
الوابعة: عقبة العوارض.
الخامسة : عقبة البواعث.
الشادسة : عقبة القوادح.
الشابعة : عقبة الحمد والشكر، وبتمامها يتم كتاب " منهاج العابدين إلى الج" ونحن الآن نتتيع هلذه العقبات بشرح موجز اللفظ ، مشتمل على النكت المقصودة من هلذا الشأن ، كل منها في باب مفرد إن شاء الله تعالى.
والله سبحانه ولئ التوفيق والتسديد بمنه، ولا حول ولا قوة إلأ بالله العلي العظيم
مخ ۴۳
============================================================
العقبة الأولى وهي عقبة العلم فأقول وبالله التوفيق : يا طالب الخلاص والعبادة ؛ عليك أولا - وفقك الله - بالعلم؛ فإنه القطب وعليه المدار.
واعلم : أن العلم والعبادة جوهران ، لأجلهما كان كل ما ترى وتسمع من تصنيف المصنفين ، وتعليم المعلمين، ووعظ الواعظين، ونظر الناظرين ، بل لأجلهما أنزلت الكتب، وأرسلت الؤسل، بل لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما فيهما من الخلق ؛ فتأمل آيتين في كتاب الله عز وجل : إحداهما : قوله تعالى : الله الذى خنلق سبع سمويت وهن الأرض مثلهن يننزل الأر بينهن لنعلموا أن الله على كل شى وقدير وأن الله قدأحاط يكل شى وعلما} ، وكفى بهلذه الآية دليلا على شرف العلم ، لا سيما علم التوحيد .
والثانية : قوله جل من قائل : وما خلقت الجمن وآلاينس إلا ليقبدون، وكفى بهذه الآية دليلا على شرف العبادة ولزوم الإقبال عليها، فأعظم بأمرين هما المقصود من خلق الدارين ! فحق للعبد ألا يشتغل إلا بهما، ولا يتعب إلا لهما، ولا ينظر إلا فيهما ، فاعلم أن ما سواهما من الأمور باطل لا خير فيه ، ولغؤلا حاصل له.
فإذا علمت ذلك. . فاعلم أن العلم أشرف الجوهرين وأفضلهما، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من امتي "(1).
مخ ۴۴
============================================================
وقال صلى الله عليه وسلم : ل" نظرة إلى العالم أحث إلي من عبادة سنة صيامها وقيامها"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على أشرف أهل الجنة ؟" قالوا : بلى يا رسول الله، قال : 9 هم علماء أمتي"(2).
فبان لك أن العلم أشرف جوهرا من العبادة ، ولكن لا بد للعبد من العبادة مع العلم، وإلأ.. كان علمه هباء منثورا؛ فإن العلم بمنزلة الشجرة، والعبادة بمنزلة ثمرة من ثمراتها ، فالشرف للشجرة؛ إذ هي الأصل، للكن الانتفاع بثمرتها، فإذن لا بد للعبد من العبادة ؛ ليسلم له شرف العلم ، ولا بد أن يكون له من كلا الأمرين حظ ونصيث، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: (اطلبوا هذذا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، واطلبوا هذذه العبادة طلبا لا يضر بالعلم)(11.
ولما استقر أنه لا بد للعبد منهما جميعا.. فالعلم أولى بالتقديم لا محالة؛ لأنه الأصل والدليل ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : "العلم إمام العمل ، والعمل تابعه "(4) وإنما صار العلم أصلا متبوعا، يلزمك تقديمآه على العبادة لأمرين : أحدهما: لتحصل لك العبادة وتسلم؛ فإنك أولا يجب عليك أن تعرف المعبود ثم تعبده، وكيف تعبذ من لا تعرفه بأسمائه وصفات ذاته، وما يجب له وما يستحيل في نعته ؟! فربما تعتقذ فيه وفي صفاته شيئا - والعياذ بالله- مما يخالف الحق، فتكون عبادتك هباء منثورا، وقد شرحنا ما في ذلك من
مخ ۴۵
============================================================
الخطر العظيم في بيان معنى سوء الخاتمة من (كتاب الخوف) من جملة كتب "إحياء علوم الدين" .
ثم يجب أن تعلم ما يلزمك فعله من الواجبات الشرعية على ما أمرت به لتفعل ذلك، وما يلزمك تركه من المناهي لتترك ذلك، وإلا.. فكيف تقوم بطاعات لا تعرفها ما هي، وكيف هي ، وكيف يجب أن تفعل؟ ! وكيف تجتنب معاصي لا تعلم أنها معاص ، حتى لا توقع نفسك فيها؟ !
فالعبادات الشرعية ، كالطهارة والصلاة، والصوم وغيرها، يجب أن تعلمها بأحكامها وشرائطها حتى تقيمها، فربما أنت مقيم على شيء سنين وأزمانا مما يفسد عليك طهارتك وصلواتك، أو يخرجهما عن كونهما واقعتين على وفاق الشنة وأنت لا تشعر بذلك ، ورئما يعترض لك مشكل ولا تجد من تسأله عن ذلك، وأنت ما تعلمته ثم مدار هلذا الشأن أيضا على العبادات الباطنة التي هي مساعي القلب ، يجب أن تعلمها؛ من التوكل والتفويض، والرضا والصبر، والتوبة والإخلاص، وغير ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ويجث أن تعلم مناهيها التي هي أضداذ هلذه الأمور؛ كالشخط والأمل، والرياء والكبر والعجب؛ لتجتنب ذلك ؛ فإن هذذه فرائض نص الله تعالى على الأمر بها ، والنهي عن أضدادها في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنشر مومنين}، واشكروا لله إن كنتر إيياء تعبدو}، وأصير وما صبرك إلا يألله}، وقوله تعالى : وتبتل إليه بتيلا} أي : أخلص إليه إخلاصا ، ونحو ذلك من الآيات - كما نص على الأمر بالصلاة والصوم ، فما لك أقبلت على الصلاة والصوم ، وتركت هلذه الفرائض والأمر بهما من رب واحد، في كتاب واحد؟! بل غفلت عنهما، فلا تعرف شيئا منهما، فصرت ممن أصبح بعاجل حظه مشغوفا، حتى صير المعروف منكرا ، والمنكر معروفا، ومن أهمل العلوم التي سماها الله تعالى في كتابه نورا وحكمة وهدى، وأقبل على ما به يكتسب الحرام، ويكون مصيدة
مخ ۴۶
============================================================
للحطام ، أما تخاف أيها المسترشد أن تكون مضيعا لشيء من هلذه الواجبات بل لأكثرها ، وتشتغل بصلاة التطؤع وصوم النفل ، فتكون في لا شيء ؟
وريما أنت مصر على معصية من هلذه المعاصي التي تستوجب بها النار، وتترك مباحا من طعام أو شراب أو نوم ، تبتغي به قربة إلى الله تعالى ، فتكون في لا شيء: وأشد من ذلك كله أنك تكون في أمر الأمل ، والأمل معصية محضة ، فتظنه نية خير؛ لجهلك بالفرق بينهما وتقاربهط فيمهعض الوجوه.
وكذلك تكون في جزع وسخط، فتظنه تضؤعا وابتهالا إلى الله عز وجل، وتكون في رياء محضي، وتحسبه حمدا لله سبحانه، أو دعوة للناس إلى الخير، فتأخذ تعد على الله سبحانه المعاصي بالطاعات، وتحتسب الثواب العظيم في موضع العقوبات، فتكون في غرور عظيم، وغفلة قبيحة، وهذذه والله مصيبة فظيعة للعاملين من غير علم: ثم مع ذلك إن للاعمال الظاهرة علائق من المساعي الباطنة تصلحها وتفسدها؛ كالإخلاص والرياء والعجب، وذكر المنة وغيره ، فمن لم يعلم هذذه المساعي الباطنة، ووجه تأثيرها في العبادات الظاهرة، وكيفية الاحتراس منها، وحفظ العمل عنها. . فقلما يسلم له عمل الظاهر أيضا، فتفوته طاعات الظاهر والباطن ، فلا يبقى بيده غير الشقاء والكد ، وهلذا هو الخسران المبين ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن نوما على علم خير من صلاة على جهل "(1) ؛ فإن العامل بغير علم يفسد أكثر مما يصلح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة العلم : " إنه يلهمه الشعداء ، ويحرمه الأشقياء "(2) فالمعنى - والعلم عند الله - : أن إحدى شقوتيه ألآ يتعلم العلم، ثم يشقى ويتعث في العبادة على خبط عشواء، فما يكون له من ذلك
مخ ۴۷
============================================================
إلأ العناء ، نعوذ بالله من علم لا ينفع، وعملي لا يقبل، ولهلذا عظمت عناية العلماء الزهاد العاملين رضي الله عنهم بالعلم خاصة من بين أفنان الناس؛ فإن مدار أمر العبودية، وملاك العبادة والخدمة لله رب العالمين على العلم، وهكذا يكون نظر أولي الأبصار ، وأهل التاييد والتوفيق .
فإذا تبين لك بهلذه الجملة أن الطاعة لا تحصل للعبد، ولا تسلم له الأ بالعلم. . فيلزم إذن تقديمآه في شأن العبادة .
وأما الخصلة الثانية التي توجب تقديم العلم : أن العلم النافع يثمر خشية الله تعالى ومهابته ، قال الله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلكؤا)، وذلك أن من لم يعرفه حق معرفته.. لم يهبنه حق مهابته، ولم يعظئه حق تعظيمه وحرمته، فبالعلم يعرفه ويعظمه ويهائه، فصار العلم يثمر الطاعة كلها، ويحجز عن المعصية كلها بتوفيق الله تعالى: وليس وراء هذين مقصد للعبد في عبادة الله سبحانه وتعالى، فعليك بالعلم -أرشدك الله يا سالك طريق الآخرة - أول كل شيء ، والله ولي التوفيق بفضله ورحته ولعلك أن تقول : قد ورد الخبر عن صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامآه أنه قال : "طلب العلم فريضة على كل مسلم"(1)، فما العلم الذي طلبه فرض لازم؟ وما الحد الذي لا بد للعبد من تحصيله في أمر العبادة ؟
فاعلم : أن العلوم التي طلبها فرض في الجملة ثلاثة : علم التوحيد، وعلم السر- أعني به : ما يتعلق بالقلب ومساعيه - وعلم الشريعة.
وأما حد ما يجب من كل واحد منها : فالذي يتعين فرضه من علم التوحيد مقدار ما تعرف به أصول الدين، وهو أن لك إلها عالما، قادرا حيا، مريدا متكلما، سميعا بصيرا، واحدا لا شريك له، متصفا بصفات الكمال، متنزها
مخ ۴۸
============================================================
عن دلالات الحدث، منفردا بالقدم عن كل محدث، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، الصادق فيما جاء به عن الله سبحانه وتعالى، وفيما ورد على لسانه من أمور الآخرة.
ثم مسائل في شعائر السنة تجب معرفتها، وإياك أن تبتدع في دين الله تعالى ما لم يأت به كتاث ولا أثر، فتكون مع الله سبحانه على أعظم خطر : وجميع أدلة التوحيد موجود أصلها في كتاب الله تعالى ، وقد ذكرها شيوخنا رضي الله عنهم في كتبهم التي صنفوها في أصول الديانات .
وعلى الجملة : كل ما لا تأمن الهلاك مع جهله فطلب علمه فرض لا يسوغ لك تركه، فهذه هلذه ، وبالله التوفيق.
وأما الذي يتعين فرضه من علم السر : فمعرفة مواجبه ومناهيه ، حتى يحصل لك تعظيم الله تعالى، والإخلاص، والنية، وسلامة العمل ، وعامة ذلك يأتي في كتابنا هلذا إن شاء الله تعالى.
وأما ما يتعين من علم الشريعة : فكل ما تعين عليك فرض فعله وجب عليك معرفته لتؤديه، كالطهارة والصلاة والصيام، وأما الحج والجهاد والزكاة : إن تعين عليك.. وجب عليك علمه لتؤديه، وإلأ.. فلا.
فهذا حد ما يلزم العبد تحصيله من العلم لا محالة، ويتعين فرضه بحيث لا بد لك من ذلك: فإن قلت : فهل يفترض علي أن أتعلم من علم التوحيد ما أنقض به جميع ملل الكفر وألزمهم حجة الإسلام، وأنقض به جميع البدع وألزمهم حجة السنة؟
فاعلم : أن هلذا فرض على الكفاية ، وإنما يتعين عليك ما تصخح به اعتقادك في أصول الدين لا غير.
وكذلك لا يتعين عليك معرفة فروع علم التوحيد ودقائقه، والإتيان على جميع مسائله.
نعم؛ إن وردت عليك شبهة في أصول الدين، تخاف أن تقدح في
مخ ۴۹
============================================================
اعتقادك.. فيتعين عليك حل تلك الشبهة بما أمكن من الكلام المقنع ، وإتاك والمماراة والمجادلة؛ فإنها داء محض لا دواء له، فاحترز منه جهدك؛ فإن من ارتداه.. لم يفلخ إلأ ان يتغمده الله تعالى برحمته ولطفه ثم اعلم : أنه إذا كان في كل قطر داع من دعاة أهل الشنة ، يحل الشبهة ، ويرد على أهل البدع ، ويشتغل بهذا العلم، ويصفي قلوب أهل الحق عن وساوس المبتدعة. فقد سقط الفرض عمن سواه.
وكذلك لا يلزمك من معرفة دقائق علم السو، وجميع شرح عجاتآب القلب الا ما يفسد عليك عبادتك، فتجب عليك معرفته لتجتنبه وما يلزمك فعله؛ كالإخلاص والحمد ، والشكر والتوكل ، ونحو ذلك:: فيلزمك معرفته لتؤديه، وأما ما سواه فلا وكذلك لا يلزمك معرفة سائر أبواب الفقه؛ من البيوع والإجارات، والنكاح والطلاق والجنايات ، إنما كل ذلك فرض على الكفاية.
فإن قلت : هذا القذر من علم التوحيد هل يحصل بنظر الإنسان من غير معلم؟
فاعلم : أن الأستاذ فاتخ ومعلم ومسهل ، والتحصيل معه أسهل وأروخ ، والله تعالى بفضله يمن على من يشاءآ من عباده ، فيكون هو معلمهم سبحانه وتعالى ثم اعلم : أن هلذه العقبة التي هي عقبة العلم عقبة كؤود ، وللكن بها ينال المطلوب والمقصوذ، نفعها كثير، وقطعها شديد، وخطرها عظيم، كم من عدل عنها فضل، وكم من سلكها فزك، وكم من تائه فيها متحيرو، وكم من حسير فيها منقطع(1)، وكم من سالك قطعها في مدة يسيرة ، وآخر متردد فيها سبعين سنة ، والأمر كله بيد الله عز وجل: 1) سير: ضعيف متلهف:
مخ ۵۰
============================================================
أما نفعه : فعلى ما ذكرناه من شدة الحاجة للعبد إليه ، وبناء أمر العبادة كله عليه، لا سيما علم التوحيد وعلم السر ، فلقد روي : أن الله تعالى أوحى إلى داوود عليه السلام فقال : يا داووذ؛ تعلم العلم النافع، فقال : إلهي ؛ وما العلم النافع ؟ قال : أن تعرف جلالي وعظمتي وكبريائي، وكمال قدرتي على كل شيء ؛ فإن هذا الذي يقريك إلي .
وعن علي كرم الله وجهه أنه قال : (ما يسرآني أن لو مث طفلا وأدخلث الجنة ولم اكبر فأعرف ربآي)(1) ؛ فإن أعلم الناس بالله أشدهم له خشية ، وأكثرهم عبادة، وأحسنهم في الله سبحانه وتعالى نصيحة وأما شدتها (2) : فابذل نفسك في الإخلاص في طلب العلم ، وليكن الطلب طلب دراية لا طلب رواية واعلم : أن الخطر عظيم، فمن طلب العلم ليصرف به وجوة الناس إليه ، ويجالس به الأمراء، ويباهي به النظراء، ويتصيد به الحطام.. فتجارته بائرة، وصفقته خاسرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من طلب العلم ليفاخر به العلماء، أو ليماري به الشفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه. أدخله الله النار"(3).
قال أبو يزيد البسطامي رحمه الله : (عملث في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئا أشد علي من العلم وخطره)(4).
وإياك أن يزين لك الشيطان فيقول لك : إذا كان قد ورد هذا الخطر العظيم في العلم. فتركه أولى، فلا تظنن ذلك ، فلقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أطلعت ليلة المعراج على التار، فرأيت اكثر أهلها
مخ ۵۱
============================================================
الفقراء " قالوا : يا رسول الله ؛ من المال ؟ قال : " لا، بل من العلم" .
فمن لم يتعلم العلم. . لا تتأتى له أحكام العبادة والقيام بحقوقها ، ولو آن رجلأ عبد الله سبحانه عبادة ملائكة السماوات بغير علم . كان من الخاسرين، فشمز في طلب العلم بالبحث والتلقين والتدريس، واجتنب الكسل والملال ، والا.. فأنت في خطر الضلال والعياذ بالله عز وجل .
ثم جملة الأمر : أنك إذا نظرت في دلائل صنع الله تعالى ، وأمعنت النظر ، فعلمت أن لك إلها قادرا ، عالما حيا ، مريدا سميعا، بصيرا متكلما ، منزها عن حدوث الكلام والعلم والإرادة، مقدسا عن كل نقصي وآفة، لا يوصف بصفات المحدثين، ولا يجوز عليه ما يجوز على المخلوقين، ولا يشبهآ شينا من خلقه، ولا يشبهه شيء، ولا تتضمنه الأماكن والجهات، ولا تحله الحوادث والافات.
ونظرت في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلام نبوته، فعلمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمينه على وحيه.
وما كان السلف الصالح يعتقدونه ؛ من أن الله تعالى يرى في الآخرة؛ لأنه موجود، وليس في جهة محدودة ، وهو غير محدود ، وأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ليس بحروف مقطعة ، ولا أصوات مختلقة؛ إذ لو كان كذلك..
لكان من جملة المخلوقات ، وأنه لا يكون في الملك والملكوت فلتة خاطر(1) ، ولا لفتة ناظر ، إلا بقضاء الله تعالى وقدره ، وإرادته ومشيئته سبحانه، فمنه الخير والشر ، والنفع والضو ، والإيمان والكفر ، وأنه لا واجب على الله تعالى لأحد من خلقه، فمن أثابه. فبفضله، ومن عاقبه.. فبعدله.
وما ورد على لسان صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامآه من أمور الآخرة؛ كالحشر والنشر، وعذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، والميزان والضراط:
مخ ۵۲
============================================================
فهلذه أصول درج السلف رضوان الله عليهم على اعتقادها والتمشك بها، ووقع عليها الإجماع قبل تنؤع البدع وظهور الأهواء ، نعوذ بالله من الابتداع في الدين، وأتباع الهوى بغير دليل ثم نظرت في أعمال القلب والمواجب الباطنة، والمناهي التي تأتي في هلذا الكتاب ليحصل لك علمه: ثم تعرف جملة ما تحتاج إلى استعماله؛ كالطهارة والصلاة، والصوم ونحوه فإن فعلت ذلك(1). . فقد أديت فرض الله تعالى عليك الذي تعبدك به في باب العلم ، ولقد صرت من علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، الراسخين في العلم، إن عملت بعلمك، وأقبلت على عمارة معادك، وكنت عبدا عالما عاملا لله تعالى على بصيرة غير جاهل ولا مقلد ولا غافل، ولك الشرف العظيم، ولعلمك القيمة الكثيرة والثواب الجزيل، وكنت قد قطعت هلذه العقبة وخلفتها وراءك، وقضيت حقها بإذن الله تعالى ، والله سبحانه المسؤول أن يمدك وإيانا بحسن توفيقه وتيسيره، إنه أرحم الراحمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مخ ۵۳
============================================================
العقبة الثانية وهي عقبة التوبة ثم عليك يا طالب العبادة - وفقك الله- بالتوبة ، وذلك لأمرين : أحذهما: ليحصل لك توفيق الطاعة ؛ فإن شؤم الذنوب يورث الحرمان ، ويعقب الخذلان، وإن قيد الدنوب يمنع من المشي إلى طاعة الله عز وجل والمسارعة إلى خدمته ؛ لأن ثقل الذنوب يمنع من الخفة للخيرات ، والنشاط في الطاعات، وإن الإصرار على الذنوب يسؤد القلوب، فتجدها في ظلمة وقساوة، ولا خلوص فيها ولا صفاوة، ولا لذة ولا حلاوة، وإن لم يرحم الله تعالى.. فستجر صاحبها إلى الكفر والشقاوة.
فيا عجبا كيف يوفق للطاعة من هو في شؤم وقسوة؟! وكيف ئدعى إلى الخدمة من هو مصر على المعصية والجفوة ؟! وكيف يقرب للمناجاة من هو متلطخ بالأقذار والنجاسات ؟! ففي الخبر عن الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا كذب العبد.. تنخى الملكان عن نتن ما يخرج من فيه "(1)، فكيف يصلح هذذا اللسان لذكر الله عز وجل ؟1 فلا جرم لا يكاد يجذ المصو على العصيان توفيقا، ولا تخفت أركانه لعبادة الله تعالى، وإن أتفق. . فبكد لا حلاوة معه ولا صفوة، وكل ذلك لشؤم الذنوب وترك التوبة ، ولقد صدق من قال : (إذا لم تقو على قيام الليل وصيام
مخ ۵۴