============================================================
وروى البخاري : أن رجلا استأذن عليه، فلما رآه.. قال : "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة" فلما جلس إليه.. ألان له القول وانبسط إليه، فلما مضى. سألته عائشة رضي الله عنها عما قال وعما فعل، فقال : ل"متى عهدتني فحاشا؟1"(1) والعشيرة : القبيلة، وانبساطه إليه تألف له؛ لأنه رئيس قومه، وتعليم للأمة، وفيه جواز المداراة اتقاء للشر، وهي : بذل الدنيا لصلاح الدين، أو الدنيا، أو هما، بخلاف المداهنة فإنها بذل الدين لصلاح الدنيا ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته ولم يمدحه، فكان قوله. فيه حق، وفعله.. معه حسن عشرة، وهذا الرجل بين بعضهم آنه عيينة بن حصن الفزاري، وقد كانت منه آمور في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته تدل على ضعف ايمانه، بل ارتد في زمن الصديق، وحارب، ثم آسلم في زمن عمر، فما قاله صلى الله عليه وسلم فيه من علامات النبوة، ولا ينافي ما مر: آنه لم ينتقم لنفسه أمره بقتل عقبة بن آبي معيط، وعبد الله بن خطل، وغيرهما ممن كان يؤذيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله تعالى) فأيس من إيمانهم، ومن ثم لما طمع في إيمان المنافقين. أمهلهم، مع شدة ايذاتهم له بما لا يصبر عليه بشر، وصبره على من آعلم بعدم إيمانه للمصلحة العامة، كما أشار لذلك صلى الله عليه وسلم بقوله لمن قال له : اقتلهم: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "(2).
وصح عن أنس : كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، وإن أهل المدينة فزعوا ليلة فخرجوا ، فرأوه راجعا من جهة الصوت متقلدا سيفه على فرس لأبي طلحة ، فقال لهم : " لن تراعوا ، ما رأئنا من بأس"(3).
(1) البخاري (6032).
(2) اخرجه البخاري (4095)، ومسلم (2584)، والترمذي (3315)، وليس عندهم لفظ: (اقتلهم) ، وما فيه : أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال في غزوة بني المصطلق : لين رجعنا إلى المدينة.. ليخرجن الأعز منها الأذك، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعه، لا تحدث.6.
(3) أخرجه البخاري (2908)، ومسلم (2307)، وغيرهما.
مخ ۲۳۲