له عقیدې تر انقلاب (٤): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرونه
فإذا كان الأنبياء يسري عليهم ما يسري على باقي البشر من الأخطاء، فهل يتفاضلون فيما بينهم أو يتفاضلون مع غيرهم؟ يعرض القدماء أولا مسألة التفضيل بين الأنبياء والملائكة؛ أيهما أفضل، قبل أن يعرضوا لتفضيل الأنبياء فيما بينهم، ثم يأتي بعد ذلك التفضيل بين الأنبياء والأئمة ما دام كلاهما يشاركان في العصمة أو في القيادة والزعامة، ويأتي ثالثا التفضيل بين الأنبياء والأولياء ما دامت لكل فريق كرامات ومعارف وسلطة على البشر.
والحقيقة أن تفضيل الأنبياء على الملائكة أو تفضيل الملائكة على الأنبياء لا أساس له؛ لأنه تفضيل بين طرفين غير متساويين، وليسا من نفس النوع. فالأنبياء بشر والملائكة ليسوا من البشر. الأنبياء أشخاص مرئية، لها أفعال في التاريخ، ويمكن الحكم عليهم، في حين أن الملائكة أشخاص معنوية، لا يمكن الحكم عليها إلا ظنا. ولا يمكن مقارنة المادي بالمعنوي، المرئي باللامرئي، فهما ليسا من نفس النوع. الأنبياء معروفون برسالاتهم وأعمالهم، وآثارهم في التاريخ؛ أي تأسيس الدعوات وإقامة الدول وتشكيل عقائد الناس وتوجيه سلوكهم. أما الملائكة فلم يرها أحد، ولم تؤثر في التاريخ، ولم تعرف إلا سمعا من النبوة؛ وبالتالي لا يوجد إلا طرف واحد، هو النبوة أو الأنبياء الذين وجدوا في التاريخ، وأخبروا عن الملائكة. وما هو مقياس التفضيل؟ العصمة؟ درجة الخطأ؟ الرتبة عند الله؟ شرف الوظيفة؟ وإذا أمكن معرفة ذلك في حال الأنبياء، فكيف يمكن التعرف على كل ذلك في حال الملائكة؟ كيف يمكن معرفة عصمتهم أو درجة أخطائهم أو رتبتهم عند الله؟ أما الوظائف فلا تتفاوت فيما بينها شرفا ورتبة، بل هو نوع من تقسيم المهام وتوزيع الأعمال؛ فالنبوة للتبليغ للناس، والملاك للتبليغ للنبي، وليس هذا بأفضل من ذاك. وبطبيعة الحال لا يكون التفضيل بين المادة والروح، بين المرئي واللامرئي، فليست الروح بأفضل من المادة، ولا المادة بأفضل من الروح، ولكن يكفي التفضيل من حيث الفعل والغاية والرسالة. وقد يكون الكائن الحر العاقل مثل الإنسان أفضل من الكائن المجبر مثل الحيوان أو النبات أو الجماد أو الملاك. وما الهدف من التفضيل؟ الاختيار أم الترجيح أو التمثل في السلوك؟ هل الهدف مجرد معرفة نظرية من عقلية تتصور الموضوعات في سلم شرف وترتيب رأسي صاعد أو نازل، أم أنه تفضيل ينتج عنه أثر عملي سلوكي في حياة الناس العملية؟ هل هو نتيجة لعملية التعظيم والتبجيل لرفع الأنبياء درجة أعلى، أو للتقرب إلى الملائكة صعودا إليهم وزلفى؟ وما هي نتيجة التفضيل؟ وكيف يتم الاختيار بين الأنبياء والملائكة في الأفضلية؟ وهل هي أفضلية فعلية أم مجرد حكم قيمة طبقا للهوى والمزاج ودرجة الإحساس بالتعظيم والتبجيل والاغتراب عن الواقع؟
فإذا ما تم تفضيل الملائكة فلأن اللامرئي أفضل من المرئي، والمجرد أفضل من العيني، والروحانيات متعلقة بالهياكل العلوية في حين تتعلق النفوس بالهياكل السفلية، والروحانيات مبرأة عن الشهوة والغضب ومن الشرور كلها، وهي نورانية لطيفة، على عكس الجسمانيات المركبة، تقوى على الأفعال الشاقة وتعلم المجردات والكليات. وكل هذه الأسباب في الحقيقة إنما تنبع من النظرية الإشراقية، ومن المواقف الصوفية التي تكشف عن اغتراب عن الواقع وبعد عنه، وتطهر فيه، وهروب منه.
16
وقد يتخصص الحكم بتفضيل الملائكة على الأنبياء؛ بأنهم الملائكة الذين لا يعصون ربهم نظرا لواقعة إبليس. وقد يعم الحكم في تفضيل الملائكة ليس فقط على الأنبياء، بل على جميع الناس وعلى عامة الخلق. وقد يتم التخصيص برسل الملائكة؛ فهم أفضل من عامة البشر.
17
وتفضيل الأنبياء على الملائكة أكثر واقعية من التفضيل الأول، وهو أكثر مثالية، ويعتمد هذا التفضيل أيضا على حجج نقلية؛ فقد أمرت الملائكة بالسجود لآدم، كما أن الله علم آدم الأسماء كلها، والذي يعلم أفضل من الذي لا يعلم، وأن عوائق البشر عن العبادة من شهوة وغضب، وقدرته على العبادة وتكليفه، لتجعله أكثر استحقاقا من الملائكة التي لا يوجد لديها مثل هذه العوائق، وأن وجود الإنسان في عالم الاختيار بين الملاك والحيوان يجعله أكثر حرية وحركة وغنى عن الملائكة التي لا توجد إلا في عالم واحد، وليس لها هذا الاختيار؛ وبالتالي فهي مجبرة على الخير وعلى الثبات فيه. وقد يزاد التخصيص في التفضيل، فتصبح رسل البشر أفضل من رسل الملائكة، وعامة البشر أفضل من عامة الملائكة. لقد كان هاروت وماروت عجلين في بابل وليسا ملائكة، أو كانا ملكين عاصيين. وكيف تكون زبانية النار أفضل من الأنبياء؟ وحين يتم التخصيص بالملائكة السفلية فالأنبياء حتما أفضل منهم، ويظل الخلاف فقط في الملائكة العلوية.
18
الملائكة رسل إلى الأنبياء، لا يؤثرون في العالم كما يفعل الأنبياء، ليست لهم إرادة وعقل ولا موت ولا حياة كما لسائر البشر، بل قد يكون الإنسان العادي أفضل من الملائكة والأنبياء؛ فكلاهما رسول إليه مباشرة أو بتوسط. والإنسان صاحب رسالة وأمانة مثل الملائكة والأنبياء، ولكنه ليس معصوما مثل الملائكة، أو مؤيدا من الله مثل الأنبياء. هو موجود في العالم يعتمد على إرادته الحرة وعقله المستقل؛ وبالتالي كان امتحانه أعظم، وكان جزاؤه ربما أكبر.
ثم يصبح التفضيل داخل كل نوع؛ تفضيل الملائكة على بعضهم البعض، وتفضيل الأنبياء بين بعضهم البعض، فيكون السؤال: من هو أفضل الملائكة ثم من هو أفضل الأنبياء؟ والسؤال بهذا الوضع يكون أكثر اتساقا مع نفسه؛ لأن التفاضل بين كائنات من نفس النوع، فيصح التفضيل من حيث المبدأ وإن ظل خاطئا من حيث الواقع. وكيف يمكن تفضيل الملائكة فيما بينهم؟ وعلى أي مقاس؟ وهل يتم التفضيل وظيفيا بناء على تقسيم الأعمال وتوزيع المهام؟ ولكن الوظائف متكاملة، ولا فضل لإحداها على الأخرى. الفضل فقط في أداء الوظيفة أو في عدم الأداء. ولما كانت الملائكة كلها مطيعة فالكل في الفضل سواء؛ فجبريل وعزرائيل وإسرافيل وميكائيل كلها وظائف لا تفاضل بينها، مثل وظائف الحواس؛ وظيفة العين ووظيفة أذن ... إلخ.
ناپیژندل شوی مخ