له عقیدې تر انقلاب (٤): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرونه
والإعجاز التشريعي ليس فقط على المستوى النظري الاستنباطي في الاجتهاد، بل أيضا على مستوى التحقق الاجتماعي والتاريخي؛ فهو إعجاز في الفكر وفي الواقع، في النظم وفي التاريخ، من حيث القدرة على نشر الدعوة، وتجنيد الجماهير، وتغيير الأبنية الاجتماعية، وبناء دولة جديدة أصبحت وريثة لأكبر إمبراطوريتين قديمتين، الفرس والروم، في أقل وقت ممكن. تحولت قبائل الجزيرة العربية إلى طلائع واعية لحركة تغير اجتماعي وتاريخي، وأعطت مثلا في التنظيم وفي القيادة ما زالت تمثل في وجدان الأمة قدرة على التمثل والاقتداء ورفض الواقع والتطلع إلى عالم أفضل، لدرجة أن أصبح التقدم في التاريخ هو لحاقا بقدوة الصحابة وبسيرة الخلفاء.
31
ثامنا: الشخص أم الرسالة؟
إذا كانت النبوة تحتوي على أربعة أطراف؛ المرسل والمرسل إليه والمرسل إليهم والرسالة، وكان المرسل موضوع التوحيد أول العقليات، فإن المرسل إليه موضوع النبوة أول السمعيات، ويكون السؤال حينئذ في المرسل إليه: هل تتحدد صلته بالمرسل فيكون لدينا البعد الرأسي في النبوة، أم تتحدد صلته بالمرسل إليهم وبالرسالة فيظهر البعد الأفقي في النبوة؟ وبصيغة أخرى: هل ترتكز النبوة على الشخص أم على الرسالة؟ إن المتتبع لتاريخ علم العقائد يجد هناك تشخيصا واضحا للنبوة؛ أي التركيز على النبوة كشخص دون النبوة كرسالة، وتظهر النبوة كشخص في الإسراء والمعراج، وفي العصمة، وفي التفضيل بين الرسل والأنبياء، ثم تتشخص في سيرته الذاتية؛ أولاده ونسبه وأصحابه وزوجاته، مرة في علاقته بالصوري ومرة في علاقته بالمادي، مرة بالنسبة إلى الروح ومرة بالنسبة إلى البدن. فما يجب له من صفات الصدق والأمانة والتبليغ والفطنة، وما يستحيل عليه من صفات الكذب والخيانة والكتمان والتهور أو البلادة، وهي صفات إن كانت للمرسل إليه إلا أنها شروط لأداء الرسالة. (1) النبوة كشخص
وتظهر النبوة كشخص في حياة الرسول الخاصة وسيرته الذاتية، والتي لا تتعلق في كثير من الأحيان بالرسالة كتبليغ متواتر لها مضمون فعلي يتصل بحياة الناس. ويعطي القدماء نماذج لهذه النبوة المشخصة في الإسراء والمعراج، وفي عصمة النبي، وفي تفضيل الأنبياء، وفي سيرته الذاتية. (أ) الإسراء والمعراج
لم يظهر هذا الموضوع كجزء من العقائد إلا في العقائد المتأخرة في مرحلة انحسار العقل وزيادة النقل؛ ففي العقائد المبكرة يذكر كأحد موضوعات الإيمان في النبوة، ولكنه في العقائد المتأخرة يزداد تفصيلا في وصف السموات السبع، وسدرة المنتهى، والبراق، وجبريل، وميكائيل. وهي مادة مستمدة أحيانا من علوم السيرة، وأحيانا أخرى من الخيال الشعبي والمصنفات فيه.
1
وبتحليل إحدى الروايات الواردة في كتب العقائد المتأخرة يلاحظ أن الخلاف في مكان ووقت وقوعها، قبل الهجرة أو بعدها، في بيت أم هاني أم عائشة، قد يكشف تنافسا بين الزوجتين لنيل شرف الواقعة، أو قد يكشف تنافسا آخر بين المهاجرين والأنصار لنيل الشرف، قبل الهجرة للمهاجرين وبعد الهجرة للأنصار. ولم يبدأ الرسول رحلته إلا بصحبة ملكين؛ جبريل وميكائيل، رسول الوحي ورسول الله. ولا تكون الصحبة إلا باثنين يمينا ويسارا؛ تعبيرا عن مرتبة الصديق ورفعة المنزلة، ثم حملاه إلى المسجد وهو مكان طاهر لشق صدر قلبه وغسله وملئه علما وحكما؛ فالحمل إلى المسجد أفضل من السير به إلى المسجد، كما هو الحال في أفعال الصلاة، ولم يتألم حين شق صدره على نقيض مناظر الصلب التي تألم فيها المسيح، حتى يزداد تحمله لآلام البشر، في حين أن الألم هذه المرة لا وجود له. وهذا يعبر عن تصور الدينين للألم؛ وجود أم عدم، فشل أم نجاح. وقام جبريل، وليس ميكائيل، بالغسل، ووضع فيه العلم والحكمة؛ لأنه ملك الوحي. وللواقعة نمط سابق في كرامات النبي قبل البعثة في شق صدره وغسله، ورفع المضغة السوداء منه، وتخليصه من الشيطان. وكلها أفعال الطهارة من المسجد إلى القلب إلى السماء؛ نقطة البداية ونقطة النهاية والمحمول بينهما. وركب الرسول البراق دون أن تعطي مصنفات العقائد وصفا له كما تعطي كتب السير؛ لأن قدر الخيال الشعبي فيه لا نهاية له. وفي الطريق إلى المسجد الأقصى رأى عجائب لا تذكر، ولكن من الطبيعي أن يركب البراق وينظر حوله وهو يقطع هذه المسافات الشاسعة، أن يرى ما لا يراه غيره من عابري الفيافي والقفار، خاصة من رسول تعود على هذه الرحلة، ويعرف ما فيها من مناظر الطريق قبل البعثة وهو يقود القوافل إلى الشام. وبطبيعة الحال أن يصلي إماما في بيت المقدس التي هي قبلة المسلمين قبل أن تتحول إلى البيت العتيق. وكيف يصلي والصلاة لم تفرض بعد إلا بعد الرجوع من الإسراء والمعراج؛ فقد فرضت الصلاة على المسلمين بعدها؟ وصلى إماما بالأنبياء والرسل؛ لأنه خاتم الأنبياء. ومن الطبيعي أن تكون الغاية مقدمة على الوسيلة، والنهاية على المقدمة. أما صلاته بالملائكة مع الرسل والأنبياء فيتطلب نزول الملائكة من السماء إلى بيت المقدس أولا. وهي أفعل تفضيل على الأنبياء والرسل زيادة في إبراز الإمامة للجميع. ولا يذكر كم من الوقت أخذ الإسراء ولا أية صلاة كانت؟ أما المعراج فمرقاة من ذهب ومرقاة من فضة؛ فلكل مسار معراج، ولكل قطار قضيبان، والذهب والفضة أغلى معدنين يصبو إليهما كل إنسان راغبا في الثروة والغنى ومتع الدنيا. ويبدو أن المعراج ليس روحيا خالصا، بل هو معراج مادي من معدنين ماديين. وهل يحتاج العروج إلى السماء طيرا في الهواء إلى مسار مادي وطريق معدني؟ وحتى يزدان الركب بهاء وجمالا وأبهة تحفه ملائكة يمينا وملائكة يسارا، يحفان بالموكب الملكي صحبة وزينة وتكريما. وعلى كل عتبة سماء يخبر جبريل ملائكته بقدوم الرسول، فيرحبون به ويعظمونه، فيظهر فضله، فيسر قلبه، ويزداد شكره لربه. وفي صياغات أخرى توصف السماء بالياقوت الأحمر والأخرى من الزبرجد الأصفر، وإحدى درجاته من الفضة وأخرى من الذهب مكللة بالدر والياقوت! وهو وصف غني رأى كل هذه الجواهر وعرفها، أو وصف تاجر مجوهرات ربما يعبر عن حرمان الناس؛ حتى يستطيع الخيال أن يؤثر فيهم ويجذبهم إليه. وهل السماء مادية حتى تكون فيها درجات من ذهب وفضة؟ وتلاحظ ثنائية المعدن وتمايز الألوان بين الأحمر والأصفر صراحة، أو الأصفر (الذهب) والأبيض (الفضة) بطريق غير مباشر. وقد يكون ذلك وصفا لألوان الشفق؛ الحمرة والصفرة، أو لألوان الطيف، كما يلاحظ تنوع المعادن من ياقوت وزبرجد، ذهب وفضة، در وياقوت، وتكرار الياقوت مرتين. وكيف بالذي يسرى به ثم يعرج وفي شوق إلى اللقاء، ويلتفت إلى هذا النعيم المادي الحسي كله الذي يبعد النفس عن نعيمها الروحي؟ وقد تكون السموات سبعا وبها سدرة المنتهى لوصف نهاية المطاف. وهنا يتوقف علم أصول الدين ويعتمد على علوم التصوف.
2
والحقيقة أن هذه الرؤية لها نمطها التقليدي في تاريخ الأديان، مثل صعود باروخ ودانيال إلى السماء على عمود أو مركبة من نار؛ رمز القوة عند اليهود. ولها ما يشابهها أيضا في أساطير اليونان، بل إن السماء في ديانات الشرق (كوريا) لتصبح هي المبتغى والمطلب. فهي بهذه الصيغة أقرب إلى الأساطير الشعبية التي يخلقها الرواة للتأثير في النفوس، واللعب بعواطف الإيمان، واستعمال كل الواقع النفسي والاجتماعي للحاضرين من أجل الإقناع والتأثير. هل هو رمز على هزيمة الكفار في غزوة بدر، ورؤية النبي لنفسه وهو سيدخل مكة فاتحا، كما هو الحال في رؤى عديدة من قبل، مثل رؤية يوحنا التي تبشر بانتصار المسيحية على الإمبراطورية الرومانية؟ الحقيقة أن الرواية كلها معارضة لروح الإسلام ومنهجه وطبيعته ورسالته؛ فالإسلام دين واقعي ورسالة إنسانية. اكتمل فيه الوحي واستقل فيه العقل وأصبح للإرادة حرية الاختيار، ولكن الرواية عود إلى الوراء، إلى قصص الأنبياء عند بني إسرائيل؛ حتى لا يكون خاتم الأنبياء أقل من الأنبياء السابقين في مجتمع تصل المنافسة فيه بين الدين الجديد والديانات القديمة، خاصة اليهودية، حد العداء السافر والحرب العلنية. تشير الرواية إلى جوانب غيبية والإسلام ليس دينيا غيبيا. هل هي مشاهدة للعالم على نحو تجريبي بالرؤية الحسية؟ ولكن التجربة هنا فردية صرفة، مثل تجارب الصوفية التي لا يمكن إيصالها إلا رمزا. وماذا رأى وماذا شاهد؟ لقد كان قاب قوسين أو أدنى؛ أي إنه لم ير الموضوعات ذاتها، ولكنه رأى صورا وخيالات لها، كما يفعل الأنبياء بعد البعثة، وكما يحدث للشعراء والأدباء والصوفية. هل أخذ منها علوما يستفيد منها الناس، أم أنها تجارب ذوقية خالصة؟ وما هي هذه العلوم التي أخذها ولم يبلغها للناس؟ وما الفائدة العامة من التجارب الذوقية الفردية؟ هل هي مكافأة للرسول؟ وكيف تعطى المكافأة والرسالة لم تتم بعد؟ هل هي معجزة من معجزاته مثل باقي المعجزات القديمة؟ ولكن المعجزة بهذا المعنى لم يعد لها وجود. وقد أتى الإعجاز الجديد بديلا عنها، وفي إعجاز القرآن الكفاية، وهو التحدي البشري الأدبي والتشريعي، من حيث الشكل ومن حيث المضمون. وإذا كانت الغاية منها تعليمية تجريبية صرفة، وهو ما يطابق منهج الإسلام في النسخ، فإن فرض الصلاة أثناءها، ثم سماع النبي تجارب الأمم السابقة على لسان أنبيائها في قدرات الأفراد والشعوب على تحمل العبادات، وتخفيض عدد الصلوات من الخمسين إلى الخمس صلوات، تكون العبادات كلها قد حققت الهدف منها، وهو فرض الصلوات الخمس على الأمة بناء على تجارب الأمم السابقة وطبقا لخبراتها؛ وبالتالي تصبح الرواية كلها في حاجة إلى تفسير وتأويل.
ناپیژندل شوی مخ