له عقیدې تر انقلاب (٤): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرونه
17
كما اعترض بعض القدماء على وجوه البلاغة؛ فإذا كانت البلاغة هي ما قل ودل فإن أبلغ خطبة من خطب العرب وأشعر قصيدة من قصائدهم، توفي بهذا الغرض دون تفاوت كبير بينها وبين بلاغة القرآن، والشواهد على ذلك كثيرة. وقد اختلف الصحابة في بعض القرآن، حتى لقد استبعد البعض منهم بعض سوره؛ لأنها لا تنطبق عليها قواعد البلاغة العربية وأصولها. وقد سبب ذلك مشكلة عند الجمع، ولم توضع الآية في المصحف إلا عن بينة أو يمين. وإذا كان لكل صناعة مراتب فلا ريب أن محمدا كان أفصح أهل عصره ولا ريب. وهذا هو سبب إعجاز القرآن.
18
وقد يقال أيضا إن بالقرآن شعرا بالرغم من نفي القرآن لذلك، وإن فيه لحنا، وإن فيه تكرارا بلا فائدة، وإن فيه كثا من الخطب والقصائد الطويلة، بحيث لو تتبعها البلغاء لوجدوا فيه سقطا وتناقضا، بل وزيادة ونقصانا. وإذا كانت في القرآن ألفاظ فارسية، فكيف يمكن القول بفصاحته وبلاغته؟
19
لذلك اعتبر البعض أن القرآن من جنس كلام العرب، مجرد أعراض لا تدل على الله ولا على الرسول، يقدر العرب على مثله؛ وبالتالي ليس معجزا من حيث النظم والبلاغة، بل يقدر الناس على ما هو أحسن منه. فليس في النظم إعجاز، لا في كلام الله ولا في كلام العباد، بل إن الزنج والترك الخزر قادرون على الإتيان بمثله وبأفصح منه، حتى ولو لم يعلموا قواعد النظم وأصول التأليف. ولا يمكن أن يكون الإعجاز في النظم؛ فقد ضاعت النصوص الأصلية للتوراة والإنجيل، بل لم تحفظ على الإطلاق بلغتها الأصلية، وما زال الناس يتعبدون بها إلى اليوم.
20
إن ما قيل في إعجاز النظم والبلاغة هي أمور متفاوتة في النظم والأشعار، ولا يوجد بين القرآن وبينها إلا اختلاف في الدرجة وليس في النوع؛ فالنظم الغريب أمر سهل بعد سماعه ويمكن تقليده.
21
وكيف يكون الإعجاز لغير العرب من الأمم الداخلة في الإسلام أو المعادية له، والتي يقبل شعراؤها التحدي؟ ليس الإعجاز إذن في النظم والبلاغة فقط، بل يتجاوز ذلك إلى المعنى، وقد يكون المعنى فكرا أو نظاما، عقيدة أو شريعة ، وقد يقع هذا لمن لا يعرف العربية، وقد آمن كثير من غير الناطقين بالعربية بالوحي بعد اقتناعهم بخصائصه ونظمه وإن لم تحدث لهم انطباعات جمالية بأسلوبه، وقد يكون ذلك فيما بعد دافعا إلى التعريب، وتعلم العربية؛ فالإسلام ليس فقط عقيدة نظرية أو شريعة عملية، بل هو حركة تعريب، كما أن كل علم باللغة العربية هي مقدمة للاقتناع بالإسلام؛ لذلك كان كل المسلمين عربا وكل العرب مسلمين. واللغة نفسها، في حالة الإعجاز بالنظم والبلاغة، تحيل إلى المعنى. اللفظ مجرد وسيلة لإيصال المعاني، والوحي ليس فقط بيانا وصياغة، بل هو مضمون ومعنى؛ فالقرآن قبل أن يكون نظما هو معنى، وإلا لما كان دليلا. ولا يمكن الإيمان به دون فهمه، ولا يمكن فهمه دون أن يكون له معنى، والمعنى مستقل عن الله وعن الرسول وعن الإمام وعن المفسر، معنى مستقل في الذهن، يدركه العقل، ويشعر به الوجدان، ويراه الحس متحققا في الأعيان. وإن وجود المحكم والمتشابه، والظاهر والمؤول، والحقيقة والمجاز، ليدل على ضرورة أحكام المعنى بوضع قواعد مضبوطة لتحديد الصلة بين اللفظ والمعنى. وإن فهم المعنى لهو السبيل إلى الكشف عن ما يسمى بالمتناقضات فيه، بل لقد تحول ذلك في علم أصول الفقه إلى علم بأكمله هو علم التعارض والتراجيح.
ناپیژندل شوی مخ