له عقیدې تر انقلاب (٤): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرونه
43
ومع ذلك فقد كان التعارض بين النصوص في حد ذاته موضوعا كلاميا مستقلا، ولكن من ناحية وحدة الوحي وعدم وقوع التناقض فيه دفعا للخلاف بين الفرق، وتمسك كل منها بنصوص لتأييد مذهبها؛ فانتقل الخلاف بين المذاهب نظرا لاعتمادها على الحجج النقلية، إلى تعارض بين النصوص، وضرب الكتاب بعضه ببعض، وتجزئته والقضاء على وحدته في المعارك الكلامية بين الفرق. والتشابه في الآيات له قصد عملي في السلوك؛ فيئول طبقا لحاجة كل عصر وظروفه، والتعارض إنما هو مسك للأطراف جميعا في بؤرة واحدة، وتجميع لوجهات النظر المختلفة في رؤية شاملة، كدرس تعليمي في الوحدة والتعدد، ما دمنا في إطار الثبات والتغير ومجرى التاريخ.
44
خامسا: اكتمال النبوة
بعد تطور النبوة يكتمل الوحي فتتوقف النبوة؛ فالنبوة لا تستمر إلى ما لا نهاية، وكل تطور ينتهي إلى بناء، وكل بداية لها نهاية، وكل تحقق له كمال. ومع ذلك، نظرا لارتباط الإنسان بالنبوة، وطول إلفه لها، وتعوده عليها، وركونه إليها، فإنه يظن أن حاجته لها دائمة، فيأخذ الوسيلة بلا غاية، ويتمسك بالنبوة دون تحقيق غايتها في استقلال العقل وحرية الإرادة، لا يتصور وقوف الخير، ولا انتهاء العون، طالما أنه مضطهد مهان مغلوب على أمره، في حاجة إلى قوة وغلبة، يتطلع إلى ما هو أقوى من العقل، وهي النبوة، وإلى ما هو أقوى من الإرادة وهو الله. ففي المجتمع النبوي المضطهد لا سبيل إلى مقاومته، أو الخلاص منه في المجتمع المضطهد، إلا باستمرار النبوة بنبوة جديد، أو بتأويل النبوة الأولى بوظيفة جديدة تكشف سر النبوة، كالإمامة أو الولاية أو الرؤية أو الحكمة، وربما أيضا الإلهام والحدس والفراسة والكهانة وكل وسائل الاطلاع على الغيب والمعارف المباشرة. تستمر النبوة إذن في مجتمع الاضطهاد، كما قد تستمر في النخبة والصفوة التي ترث النبوة وتنهل من نفس مصدرها، كولاية الولي ورؤية الصادق وحكمة الفيلسوف وصفاء نفسه، بصرف النظر عن كيفية الاتصال والحكم عليها نبوة أو إلهاما أو درجة من درجاتها. فعلى النقيض من اكتمال الوحي وبداية العقل تستمر النبوة ولا تتوقف، ثم يتوقف عمل العقل على الإطلاق. وبدل أن يستمر الاجتهاد يتوقف الاجتهاد وتستمر النبوة، وتظل الإنسانية في حاجة إلى وصي عليها، أو من يستعمل النبوة للوصاية عليها.
1
وقد يبلغ الأمر في القول باستمرار النبوة إلى حد القول بأن في البهائم رسلا. وما دامت هناك نبوة للجن والشياطين عند فريق أهل السنة، فلماذا لا تكون في غيرهم من الحيوانات والطيور والحشرات عند فريق آخر؟
2
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تستمر أيضا في النباتات وعند كل الكائنات الحية عند أنصار الحشائش والنباتات؟ ولماذا لا تستمر في الجمادات وهي عند الله أيضا كائنات حية تسبح له بلغة لا يفهمها البشر؟ أليس كل حيا ما دام مخلوقا من الله الحي الذي يتصف بصفة الحياة؟ والحقيقة أن القول بإطلاق النبوة على هذا النحو واستمرارها هو أيضا فرض للوصايا على الإنسان، واستعمال لغة النبوة في مجتمع الاضطهاد، ويقابل بها توقف النبوة في مجتمع السيطرة والقهر؛ سلاح بسلاح، ولا يفل الحديد إلا الحديد، استمرار النبوة عند المقهور في مقابل توقفها عند القاهر، وهذا تكليف ما لا يطاق؛ فالتكليف شرطه العقل والإرادة، ولا الحيوان ولا النبات ولا الجماد مكلف؛ لأنها تفتقد شرطي التكليف. يتصرف الحيوان بالطبيعة مثل النمل والعنكبوت، وليس بالعقل والإرادة، والحيوانات كالمجانين والأطفال والصبية تفقد أيضا شرطي التكليف، وإن مخاطبة الجمادات في القرآن تصوير فني؛ فالعالم عالم إنساني خالص. بالتصوير الفني يمكن الحديث مع مظاهر الطبيعة كما يفعل الشعراء، وبالنظرة الإنسانية إلى الكون يمكن الحديث مع الطبيعة. إن الرسالة لا تبلغ إلا للبشر، للكائنات الحية العاقلة الحرة؛ أي لكل ذي وعي ممكن؛ لأن مهمة الوحي تحرير الوعي الإنساني من الأسر الطبيعي أو الاجتماعي؛ كي يصبح وعيا مستقلا عقلا وإرادة. إن الإنسان وحده من سائر مخلوقات الكون هو المحاور لله والطرف المقابل له في الرسالة، وهذا تكريم من الله لبني آدم. والإنسان سيد الكون، وكل ما في الكون مخلوق له بما في ذلك الحيوان لطعامه وركوبه وزينته ومنفعته. الإنسان وحده هو المكلف، تقتصر النبوة عليه، ثم تتوقف حين اكتمال الوحي وتحقيق غايته باستقلال العقل وحرية الإرادة. (1) هل الإمامة استمرار للنبوة؟
قد لا تكتفي الإمامة بوظيفتها العملية في قيادة الأمة وتطبيق شريعتها، ولكنها تأخذ منحنى نظريا وتصبح تشريعية بدورها، ثم يتجاوز دورها إلى أن تصبح استمرارا للنبوة ومفسرا لها وكاشفا عن أسرارها، وقد يصل الأمر أخيرا إلى أن تتجاوز النبوة إلى الألوهية، فيصبح الإمام إلها ويعود العلم إلى التوحيد من جديد.
ناپیژندل شوی مخ