له عقیدې تر انقلاب (٤): نبوت – معاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
ژانرونه
47
وقد تثبت النبوة عملا بإثبات حاجة الإنسان إلى التعاون؛ وبالتالي إلى الرئاسة . ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يقيم معاشه إلا بالاشتراك مع آخر، لزمت النبوة كي تضع قانونا ينظم العلاقات الاجتماعية وتسن الشرائع وتضع النظم، وكأن النبوة لا تثبت إلا ببيان أن الإنسان وحش لأخيه الإنسان، وأنه لا بد من حاكم عادل ونظام وشريعة لصلاح الخلق تأتي من الخارج لتحقيق الصلاح مع غياب أي تصور داخلي لعقد اجتماعي حر قادر على تحقيق التعاون وتنظيم شئون الرئاسة. إن تنوع حاجات الإنسان النظرية والعملية أيضا لا محدود، لديه الحدس والاستدلال، العلم الضروري والعلم النظري، ولديه القدرات الفردية والجماعية على العمل والتحقيق، فإذا ما أعطت النبوة النظر والعمل لتلبية حاجات الإنسان إلى معلم أصبح الإنسان قاصرا في حاجة إلى وصي، وكأن الإنسان عاد إلى ما قبل النبوات، وكأن النبوة لم تصل بعد إلى خاتمها. ولماذا تثبت النبوة بتدمير الإنسان وجعله قاصر الفهم والإدراك، عاجزا عن الفعل والحركة، تفرض عليه الوصاية بدعوى الهداية؟ يبدو أن حجج وجوب النبوة قد عادت لإثبات إمكانها حتى لحق الإمكان بالوجوب، وكأن الإمكان هو مجرد وجوب مقنع.
48
إن إمكان النبوة قد يؤدي إلى الأدوار الآتية: (أ)
يعطي الوحي بداية يقينية مطلقة حتى يتجنب الإنسان محاولات الخطأ والصواب إلى ما لا نهاية، ويبقى احتمال الخطأ في الفهم والتطبيق أقل. صحيح أن العقل قادر على الوصول إلى هذه البدايات اليقينية، ولكن الوحي يقصر الوقت ويقلل الجهد ويعطي دفعة للعقل بالأوليات الأولى، ثم تكون مهمة العقل بعد ذلك الاستدلال وإيجاد الأنساق المحكمة والتطبيقات العملية والتكيف حسب الزمان والمكان. علاقة الوحي بالعقل إذن هي علاقة الحدس بالبرهان، علاقة المقدمات بالنتائج. إن البداية اليقينية شرط لليقين في الاستدلال، وإن الفكر كله هو علم البدايات أو علم الأوليات، خاصة أن هذه البدايات قد تم تجريبها في الوعي الإنساني على مدى تطور البشرية، وأصبحت مجربة من قبل ومحققة في التاريخ. (ب)
قد يشرع الوحي لبعض الأعمال ويسن بعض النظم والقوانين محققا بذلك النظريات في صيغة تشريعات؛ وبالتالي يقوم بتأسيس النظر والعمل معا. ولا يعني ذلك مجرد الشعائر التي قد تكون ضرورية للعامة كطريق للعمل الصالح، بل أيضا النظم السياسية والاقتصادية التي يجهد المنظر نفسه في الوصول إلى أفضلها وأكثرها تحقيقا للمصالح العامة. وعندما يقوم ذهن واحد بوضع النظريات والتشريعات المستنبطة منها يكون ذلك أقل احتمالا للخطأ من وضع النظريات وحدها وترك التشريعات لاستنباط ذهن آخر. الوحي هنا ضرورة عملية لما كانت حياة الناس في حاجة أولا إلى نظم وتشريعات حتى وإن لم تدرك الأسس النظرية التي تقوم عليها، ويبقى للذهن البشري أيضا استنباط نظريات تفصيلية من التشريعات العامة طبقا للزمان والمكان، وكلما كان الضبط في البدايات أحكم كانت الدقة في الاستنتاجات أعظم، فإذا كان الحدس الأول هو حكمة التشريع أو فلسفته، فإن النظرية العامة تكون هي أساس استنباط القوانين وصياغة التشريع. (ج)
يعطي الوحي نظرة كلية شاملة للحياة مقابل النظرة الإنسانية المتجزئة؛ فنظرا لوضع الإنسان في زمان معين ومكان معين وفي مجتمع محدود في طبقة بعينها؛ أي باختصار نظرا للموقف الإنساني ولكل المحددات الإنسانية، لا يستطيع الإنسان إلا أن يدرك موقفه الخاص مهما كانت لديه من قدرة على الحياد والتجريد وعلى العموم والشمول. يستطيع الوحي أن يقابل هذه التجزئة ويعطي نظرة شاملة كلية للحياة؛ وبالتالي يأمن الإنسان من الوقوع في وجهات النظر الخاصة المحددة، ونظرا لما قد ينتاب النظرة الخاصة من نقص في الحياد ومن صعوبة التمييز بين الرأي والهوى، فإن الوحي يحمي من هذا الخطر؛ فالوحي باعتباره تعبيرا عن الوعي الخالص يعطي تصورا محايدا لا يقوم على هوى أو مصلحة أو انفعال. صحيح أن الفيلسوف يمكنه أن يتجرد عن الهوى كما يمكنه أن يحقق حياد الشعور، ومع ذلك يظل الوحي يمثل ضمانا أكثر لعديد من المنظرين. الوحي إذن قادر على إعطاء هذه المعرفة الشاملة الموضوعية الخالية من وجهات النظر التي يتميز بها الإنسان، وخاليا من الأهواء والرغبات والتميزات التي تخضع لها الأحكام البشرية. حقائق الوحي منصفة غير متحيزة، لا تأخذ نظر فرد دون فرد أو مصلحة جماعة دون جماعة، وكأن التاريخ قد اكتمل والحقائق البشرية العامة قد عرفت. (د)
يمكن للوحي توفير الجهد وتقصير المسافة واختصار الشوط؛ فلو أن الإنسان بجهده الخاص أراد الحصول على النظريات ثم استنبط منها التشريعات لكان في حاجة إلى عدة أعمار. يأتي الوحي لتخفيف الحمل، ويكفي الإنسان مئونة البحث النظري في الأسس العامة للتطبيق حتى يكرس الإنسان وقته وجهده للعمل والتحقيق. ولا يعني ذلك إبطال الإنسان لعمل العقل، فمهمة العقل هنا عملية في التفسير وهو ما سماه الأصوليون تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط؛ أي معرفة العلل المؤثرة في الواقع والتي على أساسها قامت الأحكام، وهنا تمحى التفرقة بين العقل النظري والعقل العملي، بين فهم العالم وتغييره. النظر كيفية العمل، والفهم من أجل التغيير. أعطى الوحي اليقين النظري حتى يركز الإنسان جهده على التطبيق العملي؛ فلو ظل الإنسان طيلة حياته يبحث عن اليقين النظري فربما انقضى نحبه ولم يصل إليه بعد. فمتى يتمثل هذه الحقيقة ويستفيد منها؟ وماذا يفعل قبل أن يكتشفها؟ يمكن للوحي تقصير المسافة إلى النصف، فيعطي الإنسان اليقين النظري حتى يخصص عمره وجهده للتطبيق العملي. وإجابة على السؤال الأول: هل النبوة ضرورية أم ممكنة أم مستحيلة؟ يمكن القول بأن النبوة كانت ضرورية قبل آخر مرحلة فيها، قبل أن يكتمل الوعي الإنساني ويستقل عقلا وإرادة، ثم أصبحت ممكنة لحظة اكتمال الوحي، وهي الآن مستحيلة بعد اكتمال الوحي واستقلال الإنسان.
49
ثالثا: هل المعجزة دليل على صدق النبوة؟
ناپیژندل شوی مخ