182

له عقیدې ته پورې انقلاب (۱): نظري مقدمات

من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية

ژانرونه

والمركب إما ذات أو صفة، وتكون الماهية مركبة من أجزاء إذا كانت مشاركة لغيرها في ذاتي ومخالفة لذاتي آخر وليس لعارض؛ فالماهية تقبل الشركة دون التعيين. الماهية لا تأبى الشركة، في حين أن الشخص يأباها، فهي فيه زائد وهو التشخص. ونسبة الماهية إلى الشخصيات كنسبة الجنس إلى الفصول. والتعيين وجود في الخارج، والماهية لا تتحقق عيانيا في الخارج، ولكنها تظل غير معينة في الذهن عند الحكماء. أما المتكلمون فيجعلون التعين أمرا عدميا؛ لأن الماهيات لا تتعين في الخارج حفاظا على التوحيد ولإنكار الكليات في الخارج، وبالتالي يفصل المتكلمون بين الصوري والمادي، في حين يجعل الحكماء بينهما واسطة هو التحقق.

54

والحقيقة أن كل هذه التقسيمات لا تشير إلى أية تجربة حية خرجت منها يمكن التحقق من هدفها بالرجوع إليها، وبالتالي ظلت صورية خالصة أقرب إلى المنطق الوجودي الصوري الخالص. قسمة الماهية إذن أقرب إلى الخطاب القائم على نفسه، يضع مسائل ثم يحلها بالقسمة، فكر يقوم على نفسه لا على وقائع أو تجارب، فكر صوري بلا مضمون، وتحليل عقلي لروح التطهر التي تسير الخطاب وتحدد مشاكله وتختار حلولها. الماهية أطهر من الوجود؛ ولذلك فهي الكلي وهو الجزئي، هي البسيط وهو المركب، هي العام وهو الخاص، هي الأول وهو الثاني. ولكن أحيانا تظهر المقولات الإنسانية من ثنايا الخطاب الصوري، مثل لفظ: «حاجة كل ماهية إلى أجزائها أو كل نوع إلى أجناسه.» فهذه لغة وجدانية تدل على أن المقدمات النظرية بالرغم من بلوغها مستوى عاليا من التجريد، إلا أنها ما زالت تكشف عن الأساس الوجداني في الإنسان ، وهو الأساس الذي يقوم عليه الفكر الديني عامة والأشعرية خاصة. (2-2) هل الوجود نفس الماهية أم جزؤها أم زائد عليها؟

وهنا يظهر التقابل بين الوجود والماهية بعد أن كان كل منهما معروضا بمفرده. وتظهر علاقة التقابل في صورتي الهوية والاختلاف أو الكل والجزء، والأولى هي الأغلب. وقد طرح القدماء إجابات ثلاثة: الأولى أن الوجود نفس الماهية في الكل؛ لأنه لو كان زائدا لكانت الماهية غير موجودة نظرا لعلاقة الهوية بينهما. والحقيقة أن ذلك قائم على افتراض أن الماهية قائمة بالوجود وهو المطلوب إثباته، كما أن الدليل يقوم على برهان الخلف، وهو دليل سلبي خالص. أما قيام الصفة الثبوتية بالشيء كفرع لوجوده في نفسه ضرورة، وبالتالي لو كان الوجود زائدا على الماهية لسبقه وجود آخر ولزم التسلسل، فتلك حجة تقوم على نفس الافتراض السابق، وعلى برهان الخلف، وعلى افتراض أن كل وجود لا بد له من علة لوجوده، وهو طابع الفكر الديني الإيماني الذي يريد التقهقر إلى الوراء لإثبات علة أولى لا تسبقها علة أخرى حتى يستريح الضمير الديني ويرتكن إلى بداية يقينية تعطيه الثقة بالبداية الأولى التي عليها يقوم كل شيء بعد ذلك كالبنيان الراسخ. لا يعني ضعف هاتين الحجتين رفض الافتراض الأول، بل يعني أن التدليل عليه لا يثبت شيئا، ويظل الافتراض قائما بلا حجة أو دليل.

55

والثاني أن الوجود نفس الماهية في الواجب وإن زاد في الممكن؛ لأنه لو كان الوجود زائدا على الماهية في الواجب لكان محتاجا، والمحتاج إلى الغير ممكن ويكون معلولا لغيره، ولا يكون واجبا. والحقيقة أن هذه حجة وجدانية خالصة بقدر ما كانت الحجج الأولى جدلية صرفة؛ فلفظ «الاحتياج» لفظ ديني يعبر عن عاطفة دينية هي الإحساس بالنقص والعوز أمام الكامل الغني، ثم إبعاد هذا الوضع النفسي المؤلم رغبة في التنزيه وبعدا عن الاحتياج؛ لأن الاحتياج نقص والإنسان يبغي الكمال، فيقتطع الكمال من نفسه ويجرده ثم يشخصه في الواجب الذي يمتد فيه الوجود بالماهية في مقابل الممكن الذي هو نحن في عالم الاحتياج للأغيار؛ فبقدر ما نحط من النفس نعلي من الآخر، وبقدر ما نتهم الذات نبرئ الغير.

56

والثالث أن الوجود زائد على الماهية في الواجب وفي الممكن. الوجود زائد في الممكن؛ لأن الوجود يتمايز عن الماهية في الإنسان؛ فالمثال لم يتحقق بعد، والواقع لم يتحول بعد مثالا. الماهية بمفردها تقبل العدم ومع الوجود تأباه، مما يدل على بقاء المثال حتى ولو لم يكن هناك واقع. وهناك ماهيات معقولة مجردة مثل المعقولات الرياضية لا وجود لها في الواقع ويستحيل التعريف في حالة التوحيد بينهما، وإلا كان المحمول والموضوع شيئا واحدا. وإن لم يكن الوجود زائدا على الماهية لكان نفسها أو جزءها. والأول باطل لأنه مشترك دونها والثاني باطل لأن الجزء ليس أعم من الذاتيات. والوجود زائد على الماهية في الواجب؛ فلو لم يكن الوجود زائدا على الماهية فيه لكان مجردا بلا وجود. ولو كان مجردا لكان علة نفسه ويلزم التسلسل، ويستحيل التجرد أن يكون مبدأ الممكنات. والحقيقة أن هذه الحجج الصورية كلها إنما تقوم اعتمادا على قياس الغائب على الشاهد؛ أي قياس الواجب على الممكن عن طريق القلب؛ أي إنها مواقف إنسانية خالصة تبدأ بتحليل الممكن الحسي المادي، ثم تقبله فينتج وصف الواجب عن طريق الضد؛ فبالرغم من هذه الصورية في التحليل إلا أن هناك تجارب شعورية قائمة وراءها أسقطها التحليل من الحساب. فإذا كان الوجود تجربة حية فالماهية هي جوهر الوجود وأساسه. وجوهر الوجود رسالته ودعوته التي يحققها. وهي متميزة عن الوجود في البداية هذا التمايز بين المثال والواقع. هي سبب الحياة والباعث ودفع الواقع إلى اللحاق بالمثال، وتحقيق المثال في الواقع. الوجود هو الماهية بمعنى أن الوجود ليس هو الجسم أو الأعراض بل جوهره؛ أي الرسالة. الماهية هي النطق والفكر والوعي والرسالة والحركة والإمكانية والحرية والتحقق، يمكن أن تتوحد مع الوجود. ولكن هذا التوحيد بين الوجود والماهية توحيد مشروع أو مشروع توحيد، توحيد مستقبلي يتحول إلى توحيد بالفعل في الحاضر بعملية التحقق وفي مسار التاريخ. وحدة الوجود والماهية غاية تتحقق في المستقبل ابتداء من الحاضر كإمكانية ومشروع. أما التمييز بين الواجب والممكن، فالممكن هو وجودي، والواجب هو ما ينبغي أن أكون عليه، وبالتالي يكون الممكن والواجب مرحلتين من الوجود الإنساني وحالتين له. في الممكن يتمايز الوجود عن الماهية كواقع. وفي الواجب يتحد الوجود بالماهية كمثال، الأول في البداية والثاني في النهاية. ولكن الواجب والممكن ليسا موجودين مستقلين أحدهما من الآخر، الأول نسبي والثاني مطلق، وبلغة القدماء الأول «حادث» والثاني «قديم» بمعنى «جديد»؛ أي ما سيحدث في المستقبل وما سيقع في التاريخ. الماهية زائدة على الوجود، والوجود زائد على الماهية في البداية كنوع من الفصام في الوجود الإنساني بين المثال والواقع، ولكن يتحول هذا الرتق إلى عملية توحيد، فتتحول الماهية إلى وجود بالفعل، ويتحول الوجود إلى ماهية بالفعل. الماهية نفسها عملية تخلق لوجودها. والوجود نفسه عملية إيجاد لماهيته وإظهار لمكمونه، وبالتالي يمكن تجاوز الطرفين المتقابلين والحلين المتعارضين، بل والحلول الوسط، بالرجوع إلى تجربة الوجود الإنساني الحية السابقة على القسمة. ليست مذاهب القدماء إذن متعارضة متضاربة متناقضة، بل تصف مراحل مختلفة لعملية التحقق، وحالات وجدانية متباينة لهذه العملية كما يقول الصوفية. فلا يوجد خطأ مذهب وصحة آخر. كل مذهب يصف مرحلة تحقق وحالتها الوجدانية. وبالتالي لا يمكن إثبات الصواب والخطأ النظريين في المذاهب القديمة بحجج صورية منطقية جدلية، بل بتحديد لحظتها في التجارب الشعورية.

57 (2-3) هل الماهيات مجعولة يحتاج بعضها البعض؟

وإحساسا من القدماء بهذه العملية طرحوا سؤالين: الأول هل الماهيات مجعولة؟ والثاني هل تحتاج الماهيات أو أجزاء الماهيات بعضها إلى البعض الآخر؟ والسؤال الأول يقوم على افتراض الجعل؛ أي النشأة والخلق والتحقق والجهد والفاعلية. و«الجعولية» تعني عند القدماء الاحتياج إلى الفاعل وإلى الغير. والمذاهب القديمة ثلاثة: الأول الماهيات غير مجعولة مطلقا كرد فعل على النشأة والمجعولية حرصا على المثال واستقلاله كإمكانية خالصة وكهدف أسمى، وكغاية قصوى، وهو المذهب الذي يعطي الأولوية للتأمل على الفعل، وللنظر على العمل. والثاني الماهيات مجعولة مطلقا وقد كان الدافع عند القدماء أن «الله» هو خالق كل شيء، الوجود والماهية على السواء، في حين أن المجعولية هو انكشاف الماهيات في الشعور أو تحقيقها كإمكانية وكمطلب ومثال. فالماهية طيعة للفاعلية والتأثير، بمعنى صيرورتها من حال الإمكان إلى حال التحقق، من حال الماهية إلى حال الوجود. وهذا هو أيضا معنى الاحتياج؛ فالاحتياج من لوازم الوجود. والمذهب الثالث يجعل الماهيات المركبة مجعولة بخلاف الماهيات البسيطة بدافع التوسط بين المذهبين السابقين. ولكن حتى إذا كانت البسيطة مثل البديهيات لا جهد فيها ولا صنعة فإن انكشافها في الشعور أيضا يجعلها معطاة منها؛ ففيها قدر من المجعولية، وإن كان أقل من الماهيات المركبة.

ناپیژندل شوی مخ