له عقیدې ته پورې انقلاب (۱): نظري مقدمات
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
ژانرونه
لذلك يؤدي استعمال منهج النص إلى إحساس باليقين المطلق والحق المسبق، فيؤدي إلى التعصب وعدم الاستعداد للتنازل عن شيء أو تغيير الموقف أو الفهم المتبادل أو السماع للغير. وكثيرا ما يؤدي إلى القطيعة في النظر. يوجه السلوك فيؤدي إلى الامتثال والتحزب والفرقة والحمية والتكفير. يؤدي إلى ضيق الأفق والحنق وإلى سرعة اتهام المخالفين بالكفر والإلحاد والخروج على الدين وعلى الدولة ويستحيل معه تجميع الأمة على فكرة أو هدف؛ فيقضي على الوحدة الوطنية.
مع ذلك فقد يكون لمنهج النص أحيانا وفي فترات تاريخية محددة بعض الأثر والفاعلية؛ فالعكوف على النص يؤدي إلى العثور على إمكانياته اللامحدودة وفهم معانيه المتضمنة فيه والتدقيق في هذه المعاني وإخراج الكامن منها دون نسيانه أو لفظه أو إهماله جانبا باعتباره تاريخا مدونا أو تراثا مكتوبا أو أساطير الأولين. ويؤدي ذلك إلى إيجاد منطق للنص، منطق لغوي يكون وسيلة لإحكام المعاني حتى لا يقال فيه بالظنون، ومنطق عملي لتوجيه السلوك، ومنطق واقعي لفهم العالم وتغييره. وربما يؤدي ذلك إلى عثور على منطق داخلي للنص يكون منطقا للوحي ثم استعماله لنقد كل أنواع المنطق الأخرى صورية أو مادية أو كشفية؛ لذلك قام الفقهاء، حملة النص، بنقد المنطق القديم ووضع منطق جديد باسم النص.
17
وقد يمتاز منهج النص بأنه يبدأ ببداية تجعل عمل العقل قائما على أساس يقيني، وتحمي نشاط العقل من التشعب والتشتت والتقلب والتذبذب، كما تحميه من الظنون والأوهام والمعتقدات والشكوك والمصالح والأهواء. يقوم النص هنا بدور الأوليات أو البديهيات. هذه الوحدة الفكرية الأولى تظهر في الالتزام العلمي بوحدة الأمة وبمنهج الجماعة وعدم اللجوء إلى الرأي الشخصي إلا بعد مشورة الجماعة؛ فالآخر له وجود معرفي وله وظيفة معرفية. والحقيقة تكون أكثر يقينا في شعور الجماعة وتكون أكثر قابلية للتحقيق والتصديق والمراجعة.
وقد يعطي منهج النص بعض الشجاعة والقوة على الرفض الحضاري إذا ما تخلت الجماعة عن النص واتبعت التقليد، وابتعدت عن المركز وقبعت في المحيط. يقوم منهج النص هنا بعملية تطهير، ويعيد المجتمع إلى القلب من الأطراف، ويعود إلى الناس الإيمان بالنص في مواجهة إعمال العقل، وترجع الحضارة إلى الأنا في مواجهة الآخر ، تحافظ على الهوية ضد «التغريب» أو «التغريق»، والدفاع عن الأصالة في مواجهة دعوى المعاصرة والتحديث . يكون منهج النص عاملا مطهرا كلما تكاثرت النظريات العقلية وتراكمت فوق الواقع حتى أوشك النص على النسيان، فينتفض النص ويقوم بحملة نقدية ضد تراكمات العصور. وينشط العقل من جديد ناقدا نفسه أو مدافعا عن حقه في البداهة أو منظرا من جديد. وهذه الانتفاضات عمليات حضارية طبيعية تجدد بها الحضارة نفسها من ذاتها ثم تنشأ المشكلة من جديد إلى أن يسير النص إلى العقل (علوم الحكمة) أو إلى القلب (علوم التصوف) أو إلى الواقع (علم أصول الفقه) أو إلى العقائد (علم أصول الدين). عملية «الامتداد الحضاري» ليست تقليدا وتبعية للآخرين، وعملية «الانكماش الحضاري» ليست رجعية ومحافظة وتخلفا، بل هما عمليتان ضروريتان في كل حضارة، كل منهما تعبر عن ضرورة وواقع وحاجة، وتدرأ أخطارا مخالفة للأخرى.
18
أما الدليل النقلي العقلي أو العقلي النقلي، فإنه لا وجود له لأن كل وسط أقرب إلى أحد الطرفين، وهو أقرب إلى النقلي منه إلى العقلي وينتهي في الغالب في حالة التعارض إلى تغليب النقل على العقل وهدم العقل. ويصعب التركيب بين النقل والعقل لأنهما متضادان. النقل به كل حدود الرواية واللغة والتفسير والعقل موطن البداهة والوضوح والتمييز. والاتساق الفكري للخطاب العقلي لا يسمح بكسره أو قطعه بأدلة خارجية. واليقين الداخلي مكتف بذاته لا يحتاج إلى يقين خارجي زائد. (2) الدليل العقلي
لم يبق إذن إلا الدليل العقلي، والعقل هنا بمعناه الشامل الذي يشمل الحس والعقل والخبر. غرض التحليل العقلي هو عرض النص ذاته على المستوى العقلي الخالص ودفع المعارض العقلي، بل وتخيله والرد عليه سلفا حتى ليعد تحليل العقل من أدق ما قدمه علماء أصول الدين من اتساق نظري. تقوم القسمة العقلية بعرض الموضوع أولا على المستوى النظري واحتمالاته المختلفة ثم يقوم العقل بتفنيد كل احتمال حتى يبقى احتمال واحد ممكن بضرورة العقل. وهو ما يحدث أيضا على مستوى التجربة في الأصول ومناهج البحث عن العلة والمعروفة بطريقة السبر والتقسيم أي تحليل العوامل ثم عزل العوامل غير المؤثرة لمعرفة العامل المؤثر؛ لذلك دخلت نظرية «العلة والمعلول» ضمن «الأمور العامة» في «العلوم». والقسمة العقلية هي في الحقيقة الجوانب المختلفة للموضوع والذي ينكشف في الشعور بعد تحليله.
ميزة الدليل العقلي أنه يبدأ ببداية يقينية هو وضوح العقل وبداهته، فلا يحتاج إلى إيمان مسبق بأي نص. يقضي العقل على كل لبس في فهم النصوص كما يقضي على كل تفسير حرفي أو مادي له أو أي تفسير يضع المبادئ الإنسانية العامة موضع الخطر. العقل هو الوريث الشرعي للوحي. ولما اكتمل الوحي فإن العقل هو التطور الطبيعي له. منهج العقل إذن هو الاستمرار الطبيعي للنبوة، والتطور الطبيعي لها. العقل هو الوسيلة لفهم السلوك حتى لا يكون الإنسان مجرد آلة لإطاعة الأوامر. يفهم العقل أساس السلوك ودافعه وباعثه حتى ينبعث منه السلوك عن طبيعة، ويصدر منه الفعل عن تمثل واقتناع. منهج العقل منهج إنساني مهمته الدفاع عن حقوق الإنسان، العقل والحرية والشورى والالتزام. لا توجد خطورة للقضاء على موضوعية الوحي فالموضوعية لا تعني وجود وقائع مادية وذوات مشخصة بل تنبع الموضوعية من طبيعة العقل وإمكانية تحويل الوحي إلى سلوك ونظام. منهج العقل هو العامل الفكري الذي تنبني عليه الحضارة. العقل هو منشئ الحضارة، وتقاس درجة تقدم كل حضارة بدرجة عقلانيتها. وهو القادر على استيعاب كل الصدمات الحضارية واحتواء كل النظريات الغازية، وإعادة بنائها داخل النظرية العقلية العامة. لمنهج العقل قدرة فائقة على الامتصاص الحضاري للثقافات الواردة، ويغلب منهج العقل الجديد على القديم، ويهمه الحاضر أكثر من الماضي. ويقوم على نوع من الشجاعة العقلية والثقة بالنفس دون استناد إلى القديم استناد الخائف المضطرب أو الهارب الفار. ويؤدي منهج العقل في النهاية إلى الانفتاح على الآخرين بما لديه من قدرة على الحوار. فيحمي من الوقوع في التعصب؛ فالدليل هو الطريق لإثبات الحقيقة، والبرهان هو المحك في اختلاف الناظرين.
وبالرغم من مزايا منهج العقل إلا أنه نظرا لاستخداماته العديدة وتفريغه أحيانا من بعديه الآخرين الشعور أي الداخل والواقع أي الخارج، فإنه يتحول إلى مجرد آلة صورية تدرك أشكال القياس دون مادة العلم. يستعمل أحيانا للتبرير أكثر من استعماله للتحليل. تبرير المادة المعطاة سلفا لإيجاد اتساقها الداخلي دون تحليلها إلى عناصرها الأولية، وبيان مدى تطابقها مع التجربة الحية ومع الواقع العريض. ربما يقف العقل أمام بعض الموضوعات مثل «السمعيات» قابلا لها، جاعلا أقصى عمله هو تأويلها وفهمها بما يتفق معه وليس بيان نشأتها؛ أي الدخول في تكوين الموضوع ذاته. وإن قدرة العقل على التمثل والرغبة في البحث عن الاتساق العقلي جعلته قادرا على التمثل الحضاري لكل التراث العقلي المعاصر له، فخفت قدرته على النقد وعلى الرفض؛ لذلك خرج نقد المنطق «الأرسطي» القديم على يد الأشاعرة والفقهاء أكثر مما خرج من أيدي المعتزلة والحكماء. بل إن الرغبة في بناء اتساق العقل واحتواء المعارض قد وصلت إلى حد التشعب الفكري والتجريد الخالص حتى ضاعت الموضوعات المبدئية، وتحولت إلى موضوعات صورية خالصة. تحول الوحي إلى جدل، وتحولت الموضوعات إلى حجج، وأصبح التفكير مجرد محاجة ومماحكة. وقد لا يستطيع العقل الحصر في القسمة وبالتالي يكون بناء الموضوع ناقصا. وقد تند بعض الموضوعات عن القسمة العقلية وذلك لأن الحياة أحيانا لا تقبل القسمة ولا يمكن تحويلها إلى موضوعات صورية خالصة وإلا فقدت وجودها كمضمون. وأحيانا تكون القسمة العقلية كاملة نظرا من حيث الفكر، ولكنها غير مرضية عملا من حيث السلوك. يمكن تحليل إمكانيات السلوك في موقف إلى إمكانيتين أو ثلاث وكل منها لا يمكن استعمالها وكأن القسمة العقلية أضيق نطاقا من الموقف الوجودي ذاته. العقل دون نص أو تجربة أو واقع ينتهي إلى تأمل نظري خالص يبحث عن الحكمة لذاتها، وتصبح الفضائل كلها نظرية، وقد يغالى في العقل فيكون المطلق، ويكون المطلق عقلا وعاقلا ومعقولا في وقت واحد.
ناپیژندل شوی مخ