142

والجواب: إن أردتم أنه غير مختار، بمعنى أنه لا يقع الحكم بخلاف ما في نفس الأمر فهو مذهبنا، وإن أردتم أنه ليس بمختار بمعنى أنه يصير مضطرا إلى التبيين فلا وجه للزومه، وهو ظاهر البطلان، وأما قولكم إنه يكون كالمفتي والقاضي، فإنما هو تشنيع وإلا فإن الماهيات كلها كالواجب، والقديم، والممكن، والنفي، والإثبات، وغيرها متقرررة بخصوصياتها التي بها تمايزت، وتقررت، وعلمت، ولذا أنكر الله سبحانه على من لم يفرق بين ماهيتين بالاستفهام، والتعجب، والإنكار كقوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }[الزمر:9]، وقوله: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات ...}[الجاثية:21] الآية.

وقال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان ...}[النحل:90] الآية. ونحوها مما يدل على أن المنهيات والمأمورات متقررة كتقرر القديم، والحادث، والنفي، والإثبات، فمن قال: إنه لا فرق بين الإحسان والإساءة إلا بحسب اعتبار التعارف، وأنه لا معنى للفاحشة إلا بحسب التعارف، وإلا فهي والإيمان سواء في الخلو عن الحكم، وعند الشارع، وإنما اتفق الأمر بأشياء، والنهي عن أشياء لا لأمر، فلا فائدة في مناظرته، ولا الخوض في الكلام معه لهدايته؛ إذ لا مطمع في إنصافه وانقياده للحق.

والحاصل أن الفرق بين تبيين الله تعالى للأحكام، وتبيين المفتي والقاضي لا يجهله إلا غبي، فإن الله تعالى لما كان عالما بما في بعض الأفعال من المصالح، وما في بعضها من المفاسد قضت حكمته بالأمر بالمصالح والنهي عن المفاسد باختياره لحكمته، وهذا معنى البيان الحاصل منه سبحانه وتعالى، وليس كذلك بيان المفتي والقاضي.

مخ ۱۴۲