مفتاح سعادت
مفتاح السعادة
ژانرونه
فالجواب عن هذا أنا نفرق بين تلك الأمور التي ذكرتم، وبين كون الفعل يترتب عليه حسن المدح والذم، فأنتم قد سلمتم لنا هذا الفرق،وسميتم ما سميناه تحسينا وتقبيحا كمالا ونقصا.
وأما إنكاركم بعد هذا الإقرار وقضاؤكم بأن المدح والذم لا ينشئان عن فعل البتة، وإنما يمدح على الشيء ويذم لأن الشارع أمرنا بذلك، وما بين ذلك الفعل والمدح الذي رتبه عليه الشارع بالنظر إلى ذاتيهما إلا ما بين الضب والنون، ولم يكن أمره أيضا المرجح، بل محض الاختيار، ولو عكس وأمر بالعكوف على سبه وكفران نعمته وعبادة الشيطان، وأوجب الكفر وحرم الإيمان، وقال أنا أحق باللعن والشيطان أحقا بالعبادة- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- لكان ذلك عندكم كنقيضه لا فرق بينهما، فلعمري ما أنتم أحق بعد ذلك بالمناظرة، ولا ممن يرتجى منه الإنصاف، ولا جئتم بأقرب مما جاء به السوفسطائية، ولا أدليتم بأمتن مما أدلوا به وما نقول لمن أقر على نفسه بذلك ألا قد قلب فؤادك وبصرك كما لم تؤمن بالحق أول مرة، ولم تبال أين يقع قدمك في نظرك أول خطوة، ولو سرنا معه على نمط الجدل لقلنا له قد ادعينا نحن، وأكثر الفرق كما عرفت أنا أدركنا هذا المتنازع فيه بضرورة عقولنا، وفرقنا بينه وبين تلك الأمور التي لم يبلغ فهمك إلى غيرها، فنحن نصادقك على اعترافك على نفسك بالجهل بهذا الأمر الذي هو الهدى كل الهدى، فمن أين سنح لك الحكم علينا بعدم العلم بما ادعينا العلم به ضرورة حتى زعمت أننا ظننا أحد تلك الأمور التي ذكرت أمرا خارجا عنها، وحكمك إنما هو جهل مركب، فإنك في الحقيقة قد شككت في صحة عقولنا لما ادعينا العلم بما جهلت:
وهبني قلت هذا الصبح ليل .... أيعمى المبصرون عن الضياء
ذكره في العلم الشامخ، وهو كلام نفيس، ولهذا استوفينا لفظه، وبما قررناه يحصل العلم بإدراك العقل التحسين والتقبيح، والحمد لله.
قالوا: لو سلمنا ما ذكرتم، فلا نسلم لكم إدراكه لوجوب شكر المنعم.
مخ ۱۲۷