الفصل الرابع: في أن مسألة العرش أصل من أصول السالكين لا يستقيم أمرهم إلا بها ولا ينفذون إلى دينهم إلا بمعرفتها وتحقيقها
اعلم وفقك الله أن مسألة العرش أصل من أصول السالكين، هي مبدأ المعارف الإلهية والأذواق الوجدية، هي نقطة أمرهم ومركز دائرتهم، عليها تنشأ قواعدهم، وأكثر من انحرف عن التحقيق: فلجهله بها، فمعظم من لقيته من السالكين والطالبين: وجدتهم ليس لقلوبهم قبلة تتوجه إليها، لكونهم لا يحققون أن ربهم فوق كل شيء؛ بائن من خلقه، فهم حائرون فيه، فمنهم من يعتقد أنه لا داخل العالم ولا خارج العالم؛ ولا فوقه ولا تحته، وفيهم من يقول : إنه في كل مكان، فهؤلاء قطعا لا تصل قلوبهم إلى حقيقة الأمر؛ لأن مبدأ الحقائق ووجوده - علما واعتقادا - في نفس المريد والسالك، ثم تعود تلك العقائد فتصير مشاهد، فإذا كانت العقائد فاسدة : كانت المشاهد وهمية فاسدة.
فأول أمور الصادقين: معرفتهم بأن ربهم فوق كل شيء، فمن عرف منهم ذلك: صار لقلبه قبلة في توجهه ودعائه، كما أن المصلي قبلته في صلاته الكعبة، إليها يتوجه؛ ونحوها ينحو، فالطالب المريد إذا أيقن بذلك: يصير ما فوق العرش قبلة قلبه في توجهه وإرادته
مخ ۵۷