موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

ابن محمد جمال الدين قاسمي d. 1332 AH
50

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

پوهندوی

مأمون بن محيي الدين الجنان

خپرندوی

دار الكتب العلمية

وَهُوَ مُحْبِطٌ لِلْأَعْمَالِ قِيلَ: لَا يَتِمُّ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِثَلَاثٍ: تَصْغِيرِهِ وَتَعْجِيلِهِ وَسَتْرِهِ. [السَّابِعَةُ]: أَنْ يَنْتَقِيَ مِنْ مَالِهِ أَجْوَدَهُ وَأَحَبَّهُ إِلَيْهِ وَأَجَلَّهُ وَأَطْيَبَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ وَلَا يَتَقَبَّلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُخْرَجُ مِنْ جِيدِ الْمَالِ فَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ، إِذْ قَدْ يُمْسِكُ الْجَيِّدَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِعَبْدِهِ أَوْ أَهْلِهِ فَيَكُونُ قَدْ آثَرَ عَلَى اللَّهِ ﷿ غَيْرَهُ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِضَيْفِهِ وَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَرْدَأَ طَعَامٍ فِي بَيْتِهِ لَأُوغِرَ بِذَلِكَ صَدْرُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) [الْبَقَرَةِ: ٢٦٧] أَيْ لَا تَأْخُذْهُ إِلَّا مَعَ كَرَاهِيَةٍ وَحَيَاءٍ وَهُوَ مَعْنَى الْإِغْمَاضِ. [الثَّامِنَةُ]: أَنْ يَطْلُبَ بِصَدَقَتِهِ مَنْ تَزْكُو بِهِ الصَّدَقَةُ وَلَا يَكْتَفِي بِأَنْ يَكُونَ مِنْ عُمُومِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فَإِنَّ فِي عُمُومِهِمْ خُصُوصَ صِفَاتٍ فَلْيُرَاعِ خُصُوصَهَا وَهِيَ سِتَّةٌ: الْأُولَى: أَنْ يَطْلُبَ الْأَتْقِيَاءَ لِأَنَّهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِالْمَالِ عَلَى التَّقْوَى فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُمْ فِي طَاعَتِهِمْ بِإِعَانَتِهِمْ إِيَّاهُمْ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَاصَّةً فَإِنَّ ذَلِكَ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى الْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ أَشْرَفُ الْعِبَادَاتِ مَهْمَا صَحَّتْ فِيهِ النِّيَّةُ، وَكَانَ «ابْنُ الْمُبَارَكِ» يُخَصِّصُ بِمَعْرُوفِهِ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ عَمَّمْتَ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَعْرِفُ بَعْدَ مَقَامِ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ مَقَامِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا اشْتَغَلَ قَلْبُ أَحَدِهِمْ بِحَاجَتِهِ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِلْعِلْمِ وَلَمْ يُقْبِلْ عَلَى التَّعَلُّمِ فَتَفْرِيغُهُمْ لِلْعِلْمِ أَفْضَلُ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي تَقْوَاهُ وَعِلْمِهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَتَوْحِيدُهُ أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْعَطَاءَ حَمِدَ اللَّهَ ﷿ وَشَكَرَهُ وَرَأَى أَنَّ النِّعْمَةَ مِنْهُ وَأَنَّ الْوَاسِطَةَ مُسَخَّرٌ بِتَسْخِيرِ اللَّهِ إِذَا سَلَّطَ عَلَيْهِ دَوَاعِيَ الْفِعْلِ وَيَسَّرَ لَهُ الْأَسْبَابَ فَأَعْطَى، وَمَنْ لَمْ يَصْفُ بَاطِنُهُ عَنْ رُؤْيَةِ الْوَسَائِطِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ وَسَائِطُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْفَكَّ عَنِ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي تَصْفِيَةِ تَوْحِيدِهِ عَنْ كُدُورَاتِ الشِّرْكِ وَشَوَائِبِهِ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مُخْفِيًا حَاجَتَهُ لَا يُكْثِرُ الْبَثَّ وَالشَّكْوَى، أَوْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ مِمَّنْ ذَهَبَتْ نِعْمَتُهُ وَبَقِيَتْ عَادَتُهُ فَهُوَ يَتَعَيَّشُ فِي جَلَبَاتِ التَّحَمُّلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [الْبَقَرَةِ: ٢٧٣] أَيْ لَا يُلِحُّونَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِيَقِينِهِمْ أَعِزَّةٌ بِصَبْرِهِمْ، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ بِالْفَحْصِ عَنْ أَهْلِ الدِّينِ فِي

1 / 53