الأمر الثاني: تعريف الطالب الراغب بما عليه سلفه من الكمال، فقد جعل ذلك من طرق المقلدين إلى الترجيح للأئمة، فتقليد هؤلاء الأجلاء لأولئك الأئمة أعظم دليل على فضل الأئمة، مع أنه قد توهم كثير من الجهال أنه ليس لأهل البيت ولا لشيعتهم بسطة في الحديث والتفسير والأدوات، وذلك الظان أتي من قبل نفسه، ومن جهة قصور همته، فإن القصور لا ينتج الكمال، فإنه ما من علم عقلي أو نقلي إلا ولهم فيه السابقة الأولى واليد الطولى، كما سترى نعت جماعة - إن شاء الله تعالى - بالتحقيق في اللغة، وبعضهم في الأصول، وبعضهم في التفسير، وغير ذلك من العلوم الإسلامية، فلهم مثلما لغيرهم، فإن هذه العلوم لم تختص بفريق بل كل علم له رجال من جميع الطوائف، فمنهم من له في علم واحد حظ كامل، فبرع فيه، ولم تشغله (عنه)(1) الشواغل، ومنهم من تعداه إلى ثان أو ثالث، والعلوم هبات، وكم من محقق لا يلحق، قد زاغ عن الحق، وقد قال أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - كما رواه القضاعي: (العلم نقطة أكثرها(2) الجهل) أو كما قال. وأهل البيت وشيعتهم همهم العمل، والناس صنفان: منهم من همه الرواية، ومنهم من همه الرعاية، وقليل العلم مع العمل كثير. وهاهنا كلام /10/ نفيس ذكره الحافظ السيد محمد بن إبراهيم، وعبر عن هذا المرام بأوفى عبارة، والحق ما قال والله يحب الإنصاف، قال السيد المذكور في عواصمه ما لفظه: الإنصاف لا يشك من أنصف من نفسه، وترك العصبية في رأيه أن هذه الأمة المرحومة قد تقسمت الفضائل، وانتدبت كل طائفة منها لإتقان عمل فاضل، فأهل الأدب أتقنوا الإعراب، وأتوا في جميع أنواعه بما يأخذ بمجامع الألباب، وأهل القراءات حفظوا الحروف القرآنية وبينوا المتواتر والصحيح والشاذ في إعراب الآي السماوية؛ وأهل الحديث ضبطوا الآثار والسنن، وأوضحوا أحوال الرجال، وبينوا العلل؛ والفقهاء أوعبوا الكلام على الحوادث، وأفادوا معرفة اختلاف الأمة واجتماعها؛ وأهل الأصول ذللوا سبل الاجتهاد، ومهدوا كيفية الاستنباط، وكذلك سائر أهل الفنون المفيدة والعلوم النفيسة، وكل أبدع، وأجاد، وأحسن، وأفاد، وأكمل ما تعرض له، وزاد.
وممن ذكر هذا المعنى الإمام المؤيد بالله في كتابه في (إثبات النبوءات)(1)، والشيخ الصالح الشهرودي صاحب (عوارف المعارف)، فإذا عرفت هذا فلا يعزب عنك معرفة خصيصتين:
مخ ۲۱