هذا فنقول : إن ذات الحق سبحانه مخالفة بالماهية والحقيقة لجميع أقسام الممكنات والمحدثات فإذا كان العلم بأظهر المعلومات قد بلغ (1) في الخفاء والغموض إلى الحد الذي ذكرناه ، فالعلم الذي بصفات الموجود الذي لا يشابه شيئا (من الممكنات ، ولا يناسب شيئا) (2) مع أنه في غاية البعد عن مناسبة المعقولات ، ومشابهة ما يصل إليه الفكر والذكر والوهم والخيال ، لو كان صعبا عسرا ، كان ذلك أولى. فيثبت أن هذا العلم الشريف أعلى وأجل من أن يحيط به العقل إحاطة تامة فلا سبيل للعقول البشرية فيه إلا الأخذ بالأولى والأخلق والأكمل والأفضل. واعلم أن لتقرير هذه الحجة شرحا آخر وهو : أن الاستقراء يدل على أن أظهر المعلومات عند الخلق أشياء معدودة مثل علم كل أحد بنفسه ، ومثل علمه بزمانه ومكانه ومثل علمه بجسميته. ثم إن العقل إذا خاض في معرفة النفس والجسم ومعرفة المكان والزمان تحير ولم يقدر على الخلاص ، فإذا كان حاله في معرفة أظهر الأشياء كذلك ، فكيف يكون حاله في معرفة أخفى الأشياء. ولنبين صحة ما ذكرناه فنقول :
** أولها : ذاته المخصوصة وقد كشفنا حقيقة الحال فيه
وثانيها : علمه بالمكان والزمان فإن كل أحد يحكم ببديهة عقله أنه كان في ذلك المكان وانتقل منه إلى مكان آخر ، وبقي في ذلك المكان الأول ، والعلم بالمكان جزء من أجزاء ذلك العلم. وأيضا كل أحد يحكم ببديهة عقله أن هذا الوقت الخاص وقت كذا ، ثم بعده يقول : إنه مضى ذلك الوقت ، وحضر وقت آخر والعلم بحقيقة الوقت والمدة جزء من العلم بأنه مضى الوقت الأول ، وحضر الوقت الثاني. ثم إن العقلاء دارت رءوسهم وحارت عقولهم في معرفة حقيقة المكان والزمان. أما المكان فأصحاب أفلاطون وكل من كان قبله من الحكماء المعتبرين : اتفقوا على أنه عبارة عن البعد الممتد. وأما اصحاب ارسطاطاليس (3): فقد اتفقوا على أنه عبارة عن السطح المحيط ، وأن القول
مخ ۴۳