* بسم الله الرحمن الرحيم
(قال مولانا الإمام الداعي إلى الله. أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي رضي الله عنه (1)) :
هذا كتابنا في العلم الإلهي ، وهو المسمى في لسان اليونانيين : باثولوجيا. وهو مرتب على مقدمة وكتب (2).
مخ ۳۳
* المقدمة وفيها أربعة فصول
الفصل الأول : في بيان أن هذا العلم أشرف العلوم على الإطلاق.
الفصل الثاني : في أنه هل للعقول البشرية سبيل إلى تحصيل الجزم واليقين في هذا العلم أم يكتفى في بعض مباحثه ومطالبه بالأخذ بالأولى والأخلق؟
الفصل الثالث : في أن تحصيل هذه المعارف المقدسة ، هل الطريق إليه واحد أم اكثر من واحد؟
الفصل الرابع : في ضبط معاقد هذا العلم.
مخ ۳۵
* الفصل الأول
* في
* بيان أن هذا العلم أشرف العلوم على الإطلاق
أعلم. أن شرف العلم (إنما يظهر من وجوه :
الوجه الأول من الوجوه الموجبة للشرف (1)):
شرف الأمر المبحوث عنه في ذلك العلم. وذلك في هذا العلم ، هو ذات الله تعالى ، وصفاته. وهو أشرف الموجودات على الإطلاق. ويدل عليه وجوه :
الأول : إنه غني عن الفاعل والقابل. وغيره محتاج إليه.
والثاني (2): إنه فرد على الاطلاق ، فهو غني عن الجزء المقوم.
والثالث : إن الواجب لذاته ليس إلا هو ، وكل ما سواه فهو ممكن لذاته ، محتاج إلى المؤثر ، فيلزم أن كل ما سواه فهو محتاج إليه ، وهو غني عن كل ما سواه ، فوجب أن يكون هو أشرف الموجودات.
والرابع : إنه ثبت أن الممكن كما أنه محتاج إلى المؤثر حال حدوثه ، فهو محتاج إليه أيضا حال بقائه (3)، وكل ما سواه فهو محتاج إليه في جميع أوقاته ،
مخ ۳۷
سواء كان ذلك حال الحدوث ، أو حال البقاء. وكما أنه محتاج إليه في جانب الوجود ففي جانب العدم أيضا كذلك لما ثبت أن الممكن ليس معدوما لذاته ، بل علة العدم عدم العلة فثبت بما ذكرنا : أن الحق سبحانه وتعالى أشرف من غيره بحسب هذه الاعتبارات.
والخامس : هو أن الوجود أشرف من العدم ، والواجب لذاته لا يقبل العدم البتة فهو موجود لذاته ، وبوجوده يحصل (1) الوجود لكل موجود ، بل وجوده كالمنافي للعدم ، وأما كل ما سواه فإنه ممكن لذاته ، والممكن لذاته إذا نظر إليه من حيث هو هو ، وجد غير موجود ، وكل ما سواه فإنه إذا اعتبر من حيث هو هو ، لم يكن موجودا. وهو سبحانه إذا اعتبر من حيث هو هو ، فهو الموجود.
فلهذا المعنى قلنا : إنه حق ، وما سواه باطل ، بل الحق أنه لا يليق لفظ الحق إلا له ، ولا يليق وصف الاعتقاد بأنه حق ، إلا باعتقاد وجوده (2). وأن كل ما سواه فهو الفناء المحض ، والهلاك المحض ، كما قال في الكتاب (الإلهي) (3): (كل شيء هالك إلا وجهه) (4) فثبت بهذه الاعتبارات أنه تعالى أشرف الموجودات وأكملها (5)، بل إنه تعالى أشرف وأكمل من أن يقاس هو إلى غيره ، فإنه أشرف وأكمل منه. فكلما كان المعلوم أشرف ، كان العلم به أشرف [ولما كان أن أشرف] (6) المعلومات.
** الوجه الثاني في بيان شرف هذا العلم ، وشدة الحاجة إليه وكمال الانتفاع به :
أشرف العلوم بحسب هذا الوجه هو العلم الإلهي ، وذلك لأن الأمر المقصود بالذات هو الفوز بالسعادة والخلاص من الشقاوة. والسعادات إما جسمانية وإما روحانية وقد دلت الدلائل الفلسفية والمعالم الحقيقة على أن
مخ ۳۸
السعادات الجسمانية خسيسة ، وأقل ما فيها : أن الحيوانات الخسيسة تشارك الإنسان فيها بل الاستقراء يدل على أن تلك الحيوانات الخسيسة أقوى وأكمل في جانب تلك اللذات من الإنسان. وأيضا فالحدس والاستقراء يدلان على أن الخوض في جلب تلك اللذات يجذب النفس من أعالي عالم الأرواح المقدسة إلى أسافل عالم البهيمية. وأيضا فهذه اللذات سريعة الانقضاء والانقراض ، واللذات الروحانية آمنة من الزوال ، مصونة عن الفناء. وأيضا فالاستكثار من اللذات الجسمانية مشهود عليه بفطرة جميع الخلق أنه خسيس فإن الانسان الذي يكون كل أوقاته مصروفا إلى الأكل والوقاع يكون محكوما عليه عند كل أحد بخساسة الذات ودناءة الهمة وعلى أنه بهيمة محضة. وأما الانسان الذي يعتقد فيه التقليل من هذه الأحوال فإن طبع كل عاقل يحمله على تعظيمه والاعتراف له بعلو الدرجة وكمال المنقبة. ولذلك فإن العوام من الخلق إذا اعتقدوا في إنسان قلة الرغبة في الأكل والشرب والنكاح اعتقدوا فيه كونه مستوجبا للتعظيم والخدمة وعدوا أنفسهم بالنسبة إليه كالعبيد إلى الأرباب ، وكل ذلك يدل على أن هذه السعادات الجسمانية خسيسة نازلة ، فأما السعادات الروحانية فإنها باقية دائمة عالية شريفة تجذب النفس من حضيض البهيمية إلى أوج الملكية ، ومن ظلمات عالم الأجسام إلى أعالي عوالم المقدسات المطهرات. فلهذه البراهين القاهرة ، قال في الكتاب الإلهي : ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ) (1) وقال صاحب الوحي والشريعة حكاية عن رب العزة تعالى : (أنا جليس من ذكرني) (2) فقد ظهر بما ذكرناه : أن السعادات الروحانية أفضل من السعادات الجسمانية. ولا شك أن رأس السعادات الروحانية ورئيسها (وزبدتها) (3) وخلاصتها : معرفة المبدأ الأول ومعرفة صفات جلاله ونعوت كماله وكبريائه. وأيضا قد دلت الشواهد النبوية والمعالم الحكمية على أن الجهل بهذا الباب يوجب العذاب الدائم ، والخسار المطلق ، وأن الفوز بهذه المعرفة
مخ ۳۹
يوجب السعادة الأبدية والسيادة السرمدية. فوجب أن يكون هذا العلم رأس جميع العلوم ورئيسها ، وأشرف أقسامها وأجلها.
** والوجه الثالث في بيان شرف هذا العلم :
إن الانسان الكامل يجد من نفسه أنه كلما كان استغراق (1) روحه في هذه المعارف أكمل ، وكان خوضه فيها أعظم ، وانجذابه إليها أتم ، وانقطاعه عما سواها أوفى ، كان ابتهاجه بذاته أفضل ، وقوة روحه أكمل ، وفرحه بذاته أوفى. وكلما كان الأمر بالعكس كانت الأحوال الروحانية والآثار النفسانية (بالعكس) (2) مما ذكرناه. وكل ذلك يدل على أن كل السعادات مربوطة بهذه العلة وكل الكمالات والخيرات طالعة من هذا الافق. كما قال في الكتاب الإلهي : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) (3).
** والوجه الرابع :
إن المصالح المعتبرة إما مصالح المعاش ، أو مصالح المعاد أما مصالح المعاش فلا تنتظم إلا بمعرفة المبدأ والمعاد وذلك لأنه لو لا استقرار الشرائع الحقة لزال النظام ، واختلت المصالح وحصل الهرج ولم يأمن أحد على روحه ومحبوبه ، وأما مصالح المعاد فلا يتم شيء منها إلا بمعرفة الله تعالى وبمعرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وذلك لا يحصل إلا بهذا العلم.
فظهر بهذه المباحث التي قررناها : أن مبدأ الخيرات ومطلع السعادات ، ومنبع الكرامات ، هو هذا العلم. فمن أحاط به على ما ينبغي كان في آخر مراتب الإنسانية ، وأول مراتب الملكية.
مخ ۴۰
* الفصل الثاني
* في
* انه هل للعقول البشرية سبيل إلى تحصيل
* الجزم واليقين في هذا العلم
* أم يكتفى في بعض مباحثه ومطالبه بالأخذ بالأولى والأخلق؟
رأيت في بعض الكتب : أنه نقل عن عظماء الحكمة وأساطين الفلسفة أنهم قالوا : الغاية القصوى في هذا الباب : الأخذ (بالأولى والأخلق) (1) والتمسك بالجانب الأفضل الأكمل وأما الجزم المانع من النقيض فقد لا يمكن تحصيله في بعض المباحث.
** وللقائلين (2) بهذا القول أن يحتجوا بوجوه :
الحجة الأولى : إن أظهر المعلومات لجميع العقلاء : هو علم الإنسان بذاته (3) المخصوصة ومعرفته بنفسه المخصوصة ، ثم هذا العلم مع أنه أظهر العلوم وأجلى المعارف قد بلغ في الصعوبة والخفاء إلى حيث عجزت العقول عن الوصول إليه ، وإذا كان الحال في أظهر المعلومات كذلك ، فالحال في أبعد الأشياء عن مناسبة الأمور المعلومة للخلق كيف يكون؟ وهذه الحجة إنما تتم بتقرير مقدمات.
المقدمة الأولى : إن أظهر المعلومات لكل أحد : ذاته المخصوصة. والذي يدل على أن الأمر كذلك : أن كل من علم شيئا فلا بد وأن يعلم كونه عالما
مخ ۴۱
بذلك الشيء ، ولذلك فإنه يقول : أدركت هذا الشيء وعرفته ، إلا أن علمه بكونه عالما بذلك الشيء ، مسبوق بعلمه بذاته المخصوصة (لأن من لا يعلم ذاته ، كيف يمكنه أن يحكم عليها بكونها عالمة بذلك المعلوم) (1)؟ وكذلك فإنهم قالوا : كل تصديق فإنه مسبوق بتصور ، ومن الظاهر أن الشرط سابق (2) بالرتبة على المشروط وهذا يدل على أن علم كل أحد بأي معلوم كان ، مشروط بعلمه بذاته المخصوصة (ومسبوق بعلمه بذاته المخصوصة) (3) فيثبت أن علم كل أحد بذاته سابق على علمه بكل ما يغاير ذاته ، سواء كان ذلك العلم من البديهيات الجليات ، أو من الكسبيات ، والسابق على جملة الجليات (4) أولى بكونه جليا بديهيا. فثبت بهذا البرهان : أن علم كل أحد بذاته المخصوصة ، أجلى العلوم وأجلها وأظهرها وأقواها.
المقدمة الثانية في تقرير أن علم كل أحد بذاته المخصوصة علم في غاية الصعوبة والخفاء : والذي يدل عليه أن المشار إليه لكل أحد بقوله : أنا إما أن يكون هو هذا الهيكل المشاهد ، أو يكون جسما من الأجسام الموجودة داخل هذا الهيكل ، أو يكون صفة من صفات هذا الهيكل ، أو يكون جوهرا مجردا عن هذا البدن وعن علائقه. وهذه الأقسام الأربعة قد حارت عقول العقلاء فيها ، ودارت رءوسهم في تعيينها ، ومن تأمل في مباحث كلام النفس يجد أن هذه المسألة قد بلغت في الصعوبة إلى الغاية القصوى. فثبت أن هذا العلم صعب غامض.
المقدمة الثالثة : إنا قد بينا أن أظهر المعلومات هو علم كل أحد بذاته المخصوصة ونفسه (المعينة) (5) وبينا أنه مع كونها أظهر المعلومات ، فقد بلغ العلم بها إلى الغاية (القصوى) (6). في الصعوبة والخفاء والغموض. وإذا ثبت
مخ ۴۲
هذا فنقول : إن ذات الحق سبحانه مخالفة بالماهية والحقيقة لجميع أقسام الممكنات والمحدثات فإذا كان العلم بأظهر المعلومات قد بلغ (1) في الخفاء والغموض إلى الحد الذي ذكرناه ، فالعلم الذي بصفات الموجود الذي لا يشابه شيئا (من الممكنات ، ولا يناسب شيئا) (2) مع أنه في غاية البعد عن مناسبة المعقولات ، ومشابهة ما يصل إليه الفكر والذكر والوهم والخيال ، لو كان صعبا عسرا ، كان ذلك أولى. فيثبت أن هذا العلم الشريف أعلى وأجل من أن يحيط به العقل إحاطة تامة فلا سبيل للعقول البشرية فيه إلا الأخذ بالأولى والأخلق والأكمل والأفضل. واعلم أن لتقرير هذه الحجة شرحا آخر وهو : أن الاستقراء يدل على أن أظهر المعلومات عند الخلق أشياء معدودة مثل علم كل أحد بنفسه ، ومثل علمه بزمانه ومكانه ومثل علمه بجسميته. ثم إن العقل إذا خاض في معرفة النفس والجسم ومعرفة المكان والزمان تحير ولم يقدر على الخلاص ، فإذا كان حاله في معرفة أظهر الأشياء كذلك ، فكيف يكون حاله في معرفة أخفى الأشياء. ولنبين صحة ما ذكرناه فنقول :
** أولها : ذاته المخصوصة وقد كشفنا حقيقة الحال فيه
وثانيها : علمه بالمكان والزمان فإن كل أحد يحكم ببديهة عقله أنه كان في ذلك المكان وانتقل منه إلى مكان آخر ، وبقي في ذلك المكان الأول ، والعلم بالمكان جزء من أجزاء ذلك العلم. وأيضا كل أحد يحكم ببديهة عقله أن هذا الوقت الخاص وقت كذا ، ثم بعده يقول : إنه مضى ذلك الوقت ، وحضر وقت آخر والعلم بحقيقة الوقت والمدة جزء من العلم بأنه مضى الوقت الأول ، وحضر الوقت الثاني. ثم إن العقلاء دارت رءوسهم وحارت عقولهم في معرفة حقيقة المكان والزمان. أما المكان فأصحاب أفلاطون وكل من كان قبله من الحكماء المعتبرين : اتفقوا على أنه عبارة عن البعد الممتد. وأما اصحاب ارسطاطاليس (3): فقد اتفقوا على أنه عبارة عن السطح المحيط ، وأن القول
مخ ۴۳
بالبعد باطل. وصعوبة هذه المسألة تظهر في مباحث مسألة المكان. وأما الزمان فقد حارت العقول ودارت الرءوس في معرفته ، وإذا تأملت في مسألة الزمان وأحاط عقلك بما في تلك المسائل من الدقائق العميقة (1)، والمباحث الدقيقة ، علمت أن هذه المسألة قد بلغت إلى أقصى الغايات ، وأبلغ النهايات في الصعوبة (والخفاء) (2).
وثالثها : العلم بحقيقة الجسم ، وقد حارت العقول أيضا في أنه هل هو مركب من الأجزاء التي لا تتجزأ ، أو ليس الأمر كذلك ، بل هو قابل للقسمة إلى غير النهاية؟
ومن خاض في تلك المسألة وعرف قوة الدلائل من الجانبين ، علم أنه لا حاصل عند العقل إلا الحيرة والدهشة والأخذ بالأولى والأخلق ، فيثبت بهذا الاستقراء : أن حاصل العقل في (معرفة) (3) أظهر المعلومات ليس إلا محض الحيرة والدهشة ، والأخذ بالأولى والأخلق ، فما ظنك بالعقل عند العروج الى (باب) (4) كبرياء الله تعالى ، وعند ما يحاول الخوض في البحث عن كنه عزته وصمديته وصفات جلاله وإكرامه من علمه وقدرته وحكمته؟ فهذا جملة الكلام في هذا الباب.
ومما يزيد هذا الكلام تقريرا (5): أن أقوى المباحث العقلية باتفاق جمهور العقلاء : المباحث الهندسية ، فليتأمل في كتاب أقليدس. يقول : إن أقسام المضلعات تبتدئ من المثلث وتمر إلى غير النهاية. ثم إن أقليدس أقام الحجة على إثبات المثلث والمربع في المقالة الأولى ، ولما احتاج إلى اثبات المخمس احتاج إلى تقديم مقدمة عليه ، وهو أنه عمل مثلثا يكون كل واحدة من الزاويتين اللتين
مخ ۴۴
فوق القاعدة منعطفا إلى الزاوية (1) الفوقانية ثم قسم كل واحدة من الزاويتين إلى نصفين ، وبهذه الطريقة قدر على عمل المخمس ، ثم لما أقام البرهان (2) على أن نصف قطر كل دائرة يساوى وتر سدس تلك الدائرة ، لا جرم قدر بهذا الطريق على عمل المسدس ثم (3) إنه طفر منه إلى شكل ذي خمسة عشر ضلعا ، والسبب في هذه الطفرة أنه احتاج في عمل المسبع إلى تقديم مثلث يكون كل واحدة من الزاويتين اللتين فوق القاعدة ثلاثة أمثال الزاوية الفوقانية.
وأعمال كتاب أقليدس لا تفي بإقامة البرهان على هذا المطلوب ، بل لا يمكن إثبات هذا المطلوب إلا بقطوع المخروطات ، فلا جرم عجز عنه وتركه. وأيضا لا يمكنه إثبات عمل المتسع (4) إلا بطريقين : أحدهما : أن يعمل مثلثا متساوي الأضلاع ، ثم يقسم كل واحدة من زواياه الثلاث ثلاثة أقسام متساوية. وقد بينا أن هذا لا يتم إلا بقطوع المخروطات. (والطريق) (5) الثاني : أن يعمل مثلثا يكون كل واحدة من الزاويتين (اللتين) (6) فوق القاعدة أربعة أمثال الزاوية الفوقانية وهو عاجز عنه.
وأما الشكل الذي يحيط به أحد عشر ضلعا ، فهو إنما يتم بتقديم عمل مثلث ، تساوي كل واحدة من الزاويتين اللتين فوق القاعدة خمس مرات للزاوية الفوقانية ، وهو عاجز عنه ، وكذا القول في مضلع محيط به ثلاثة عشر مضلعا ، فإنه إنما يتم بعمل مثلث يساوي كل واحدة من الزاويتين اللتين فوق القاعدة للزاوية الفوقانية ست مرات. وهو عاجز عنه. وأما المضلع الذي يحيط به خمسة عشر مضلعا فإنه قدر على عمله بمقدمات أثبتها في كتابه، وذلك أنه أوقع في الدائرة مثلثا متساوي الأضلاع فانقسمت الدائرة ثلاثة أقسام متساوية ، ثم أوقع
مخ ۴۵
في القسم الواحد منها نصف قطر (1) الدائرة ، وهو وتر المسدس ، ثم قسم ما بقي نصفين ، فبهذا الطريق قسم كل قوتين بخمسة أقسام متساوية ، فخرج له مضلع أحاط به خمسة عشر ضلعا. وعند هذا وقف عمله ، ولم يقدر على الزيادة.
فالحاصل أن أقليدس قدر على إقامة البرهان على إثبات خمسة أنواع من المضلعات : المثلث والمربع والمخمس والمسدس وذو خمسة عشر ضلعا. وأما بقية الأقسام التي لا نهاية لها فقوانينه (قاصرة عن إثباتها ، ومقدماته) (2) غير وافية (3) بتقريرها.
وأما أصحاب علوم المخروطات ، فقد تكلفوا طريقة في إثبات المسبع والمتسع وأما البقية فقد بقيت في موقف العجز والقصور فقد ظهر بما ذكرنا : أن العقول البشرية قاصرة ، والأفهام الإنسانية غير وافية بإدراك حقائق الأشياء إلا في القليل القليل من الكثير الكثير في معرفة هذه المحسوسات فما ظنك بالعقل عند طلوع نور الالهية (وسطوع) (4) الأضواء الصمدية؟
الحجة الثانية في هذا الباب : إن قوة البصر ، وقوة البصيرة متساويتان. وليعتبر أن حال القوة الباصرة ، مع المبصرات أحوال (5) ثلاثة :
الحالة الأولى : المبصرات الحقيرة الضعيفة كالذرات والهباءات ، والمبصرات الخفية (6) الضعيفة ، فمن المعلوم أن القوة الباصرة عاجزة عن إدراك أمثال هذه المبصرات وغير واقفة عليها (7)، ولا قادرة على ضبط تلك المراتب.
والحالة الثانية : المبصرات القوية القاهرة المستعلية مثل قرص الشمس عند
مخ ۴۶
غاية لمعانه وإشراقه. فإن القوة الباصرة قاصرة عن إدراكه على سبيل التمام والكمال. ألا ترى أن من تكلف النظر إلى قرص الشمس عند غاية لمعانه وإشراقه ، فإنه يتخيل ظلمة وسوادا في وسط قرص الشمس ، وكأنه يتخيل أن الأنوار إنما تفيض من أطراف قرص الشمس ، كأنه طست تفيض الأنوار من أطرافه ، فأما نفس القرص التي هي كالطست فإن الإنسان يراها كالظلمة السوداء ، إلا أن العقل السليم يحكم بأن تلك الظلمة ليست حاصلة في جوهر الشمس ، فإنه منبع الأنوار ، ومظهر الأضواء ، لكن القوة الباصرة للبشرية تصير مقهورة من كمال ذلك النور ، فيعجز عن إدراكه ، فلما عجز عن إدراكه تخيل فيه ظلمة وسوادا. أو (رأى) (1) النور كالأمر القابض من أطراف قرص الشمس وجوانبه.
والحالة الثالثة : المبصرات المعتدلة في القوة والضعف والكمال والنقصان وهي مثل الكيفيات القائمة بأجسام هذا العالم فإن القوة الباصرة يمكنها الوقوف عليها والإحاطة بها والوصول إلى تمام إدراكاتها ، فظهر بهذا البيان الذي قررناه : أن القوة الباصرة قاصرة عن إدراك (2) المبصرات القاهرة ، وقاصرة عن إدراك المبصرات الضعيفة أيضا ، ولكنها قادرة على إدراك المبصرات المتوسطة في القوة والضعف والكمال والنقصان وإذا عرفت هذه المراتب الثلاثة في قوة الابصار ، فاعرف مثلها في مراتب قوة البصيرة والعقل. وذلك لأن المعلومات على ثلاثة أقسام :
أحدها : المعلومات الضعيفة الحقيرة : وهي مثل مراتب الأمزجة والتغيرات والاختلافات الحاصلة عند درجات الاستمالات الواقعة في الأجسام الكائنة الفاسدة ، فإن العقول البشرية لا تقوى على إدراك تلك المراتب ، وضبط تلك الدرجات ، لأنها أحوال ضعيفة سريعة الزوال قريبة الانقراض والانقضاء ، فهي لضعفها وحقارتها لا تقوى العقول البشرية على إدراكها على سبيل الكمال والتمام.
مخ ۴۷
وثانيها : المعلومات القاهرة العالية المقدسة وهي الجواهر القدسية. والماهيات المجردة عن علائق الأجسام وأشرفها وأعلاها هو ذات الله تعالى وصفات جلاله ونعوت كبريائه (1).
فهو سبحانه لغاية إشراق جلاله ، عجزت العقول عن إدراكه وضعفت الأوهام والأفهام عن الوصول إلى ميادين إشراق كبريائه ، وإليه الاشارة بقول صاحب الشريعة [صلوات الله عليه] (2): «إن لله سبعين حجابا من نور ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما في السموات والأرض» وكان بعض الصالحين يقول (3): «سبحان من احتجب عن العقول بشدة ظهوره ، واختفى عنها بكمال نوره» وإذا عرفت هذا ، فحينئذ صار العقل عاجزا عن إدراكه وعرفانه ، لغاية قوته ، وكماله ، واستعلائه.
وكما أن البصر عاجز (4) عن إدراك قرص الشمس لكمال نوره ، وكما أن البصر لا يتخيل من (قرص) (5) الشمس إلا السواد والظلمة ، ولا يتخيل فيضان النور إلا من أطراف قرص الشمس ، فكذا هاهنا العقل إذا حاول النظر إلى كنه كبريائه (6) غشيته حالة كالدهشة والحيرة فلا يبصر البتة شيئا ، بل يمكنه أن يرى نور كرمه وفيض جوده ورحمته ، واصلا إلى خلقه كما نرى نور قرص الشمس فائضا من أطرافه وجوانبه.
وثالثها : المعلومات المعتدلة التي لا تكون في غاية القوة والجلالة ولا في غاية الضعف والحقارة ، وأمثال (7) هذه المعلومات مما تقدر القوة العاقلة على إدراكها والإحاطة بها ، فظهر بهذا الاعتبار الذي قررناه : أن العقول مدفوعة ،
مخ ۴۸
والأفكار مقهورة والخواطر مزجورة ، وحقيقة الحق لا يمكن الوصول إليها بخطرات العقول والأفكار ، وكبرياء الإلهية يمتنع الوقوف عليها بأجنحة الأقيسة والأنظار. فظهر أنه لا حاصل عند العقول إلا الإقرار بإثبات الكمال المطلق له ، وتنزيه النقائص بأسرها عنه ، على سبيل الإجمال ، أما سبيل التفصيل فذاك ليس من شأن القوة العقلية البشرية.
الحجة الثالثة في هذا الباب : إن العلوم إما تصورية وإما تصديقية. أما التصويرية فنحن نجد من أنفسنا وجدانا بديهيا ، بعد الاختبار التام والاستقراء الكامل أنه لا يمكننا أن نشير بعقولنا ووهمنا وخيالنا إلا إلى أحد أنواع أربعة من التصورات.
فأحدها : الماهيات التي ادركناها بأحد الحواس الخمس ، وهي : المبصرات ، والمسموعات ، والمشمومات ، والمذوقات ، والملموسات.
وثانيها : الماهيات التي ندركها من نفوسنا إدراكا ضروريا كالألم واللذة والجوع والشبع والفرح والغضب وأمثالها.
وثالثها : الماهيات التي ندركها بحكم فطرة عقولنا كتصورنا (لمعنى) (1) الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان والامتناع.
والنوع الرابع : الماهيات التي يركبها العقل والخيال من (هذه) (2) البسائط ، أما تركيب الخيال فهو كما إذا تصورنا بحرا من زئبق وإنسانا له ألف رأس (فإنا بحس البصر أدركنا البحر ، وأدركنا الزئبق ، فالخيال يركب صورة البحر مع صورة الزئبق) وكذا القول في سائر الأمثلة ، وأما تركيب العقل فهو أنا إذا قلنا : شريك الاله ممتنع الوجود ، فما لم يتصور العقل (معنى) (3) شريك الإله يمتنع أن يحكم عليه بالامتناع ، ثم إن العقل إنما يمكنه تصور معنى شريك الإله ، لأنه قد تصور معنى الشريك في بعض المواضع ، وتصور أيضا معنى الإله في
مخ ۴۹
الجملة. فلما حصل عنده تصور هذين المفهومين (1) لا جرم ركبهما ، فحصل عنده تصور معنى شريك الإله ، فلا جرم قدر على أن يحكم عليه بالامتناع فنقول : لما عقلنا الشريك في حق الواحد منا ، فهذا المعنى الذي تعقلناه في حقنا نضيفه إلى الله تعالى فنقول : ثبوت شيء لله تعالى ، نسبته إليه كنسبة شريكنا إلينا : محال الوجود.
فثبت بهذا البيان : أن تصورات العقول البشرية لا تخرج عن هذه الأقسام الأربعة ، وإذا كانت التصورات الحاصلة عندنا محصورة في هذه الأقسام كانت التصديقات أيضا محصورة فيها ، لما ثبت أن التصديقات مشروطة بالتصورات ، فيثبت أن تصورات الخلق وتصديقاتهم محصورة في هذه الأقسام الأربعة.
وإذا ظهرت هذه المقدمة فنقول : ثبت بالبرهان : أن حقيقة الحق سبحانه وتعالى مخالفة لجملة هذه الماهيات التي هي محسوسة لنا ، وحاضرة في عقولنا حضورا بالتفصيل ، وأنه سبحانه لا يناسب شيئا منها ، وهو مخالف لها بأسرها مخالفة من جميع الوجوه ، فإنه لو شاركها من بعض الوجوه ، وخالفها في سائر الوجوه ، لكان ما به المشاركة غير ما به المخالطة ، فتكون حقيقته مركبة وذلك محال. وإذا كان كذلك وجب ألا تكون حقيقة متصورة للخلق بوجه من الوجوه (وإذا لم تكن حقيقة متصورة للخلق) (2) كان الحكم عليها بالسلب والإيجاب البسطين أو المركبين ممتنعا ، لما ثبت أن التصديق موقوف على التصور.
فالعقول قاصرة عن معرفته ، والإدراكات غير منتهية إليه ، وإنما الغاية القصوى أنا إذا تصورنا معنى الكمال والنقصان (في حق أنفسنا بحسب ما يليق بنا وبمقدار ما يناسبنا وجب أن نفهم معنى الكمال والنقصان) (3) لأن المطلق ، جزء من ماهية المقيد ، وبهذا الطريق يتصور معنى الكمال والنقصان ، وإذا تصورنا هذا المعنى اعترفنا بإثبات مسمى الكمال له بشرط تنزه (4) ذلك المسمى
مخ ۵۰
عن اللواحق اللاحقة له ، بسبب حصوله فينا ، فليس عند جملة الخلق من معارف جلاله (1)، إلا هذا القدر. فظهر بهذا البيان : أن عقول الخلق لم يحصل عندها من المعارف الإلهية إلا هذه الأمور المجملة ، المشار إليها على سبيل الأولى والأخلق وأما على سبيل التفصيل فلا.
الحجة الرابعة لهم في هذا الباب : إن الانتقال من المعلوم إلى المجهول لا يعقل إلا بأحد ثلاثة أوجه :
أحدها : الاستدلال بالعلة على المعلول.
وثانيها : الاستدلال بالمساوى على المساوى.
وثالثها : الاستدلال بالمعلول على العلة.
والطريقان الأولان في حق الحق مفقودان فبقي الطريق الثالث وهو أن يصعد من الأثر إلى المؤثر ، وينتقل من المخلوق إلى الخالق. وإذا عرفت هذا فنقول : النفس الناطقة الإنسانية واقعة في المرتبة الآخرة من الموجودات المجردة المقدسة ، على ما ستعرف حقيقة هذه المقدمة عند وقوفك على معرفة درجات الملائكة ومراتبها ، وإذا كان كذلك فهذه النفس الإنسانية تترقى من علمها بنفسها إلى علمها بعلتها ، ومن علمها بعلتها إلى علمها بعلة علتها ، وهكذا تترقى مرتبة فمرتبة حتى تصل بالآخرة إلى حضرة واجب الوجود لذاته . كما قال في الكتاب الإلهي.
( وأن إلى ربك المنتهى ) (2) وقال : ( ألا إلى الله تصير الأمور ) (3) وقال : ( هو الأول والآخر ) (4) فالحق هو الأول عند النزول من الحق (5) إل الخلق ، والآخر عند الصعود من الخلق إلى الحق ، ولما كانت درجات الوسائط
مخ ۵۱
كثيرة ، ومراتبها خفية عن العقول البشرية ، وكانت (1) أحوال تلك الوسائط مختلفة ومراتب أضوائها وقهرها وقوتها مختلفة ، وكانت قوة النفس الناطقة البشرية عند الترقي في هذه المراتب ضعيفة ، لا جرم بقيت أكثر النفوس البشرية في (درجة من) (2) درجات هذه المتوسطات بل نقول : أكثر الخلق بقوا في حضيض عوالم المحسوسات ، والشاذ القليل منهم تخلص من عالم الحس ، مترقيا عن عالم المحسوسات إلى عالم الخيالات ، و (القليل) (3) من أصحاب الخيالات انتقل إلى عالم المعقولات. ثم في عالم المعقولات مراتب الأرواح المقدسة كثيرة ، فلا جرم أكثر العقول الفاضلة (لما وصلت) (4) إلى عوالم أنوار المعقولات تلاشت وفنيت واضمحلت في أنوار تلك الأرواح (5) المقدسة. إلا من أيد بقوة قاهرة ، ونفس إلهية تترقى من زنجبيل المريخ إلى سلسبيل المشتري ومنه إلى كافور زحل (ثم استعلى على الكل وترقى على الكل) (6) ووصل الى الحضرة المقدسة ، عن لواحق عالم الإمكان وغيار الحدوث ، واستسعد بقوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) (7) أي ذلك الشراب الطهور ، يطهره عن علائق الإمكان والحدوث ، ويجليه على عتبة الوجوب بالذات. وإذا عرفت ذلك ظهر أن القليل من الأرواح البشرية يستسعد لقبول ذرة من ذرات (أنوار) (8) عالم الجلال. وهذه تلويحات وتنبيهات ذكرناها في مقدمة هذا العلم ، ليعلم الإنسان أن القليل من مباحث هذه المعالم الشريفة كثير كثير بالنسبة إلى الأرواح. ولذلك قال في الكتاب الإلهي (حكاية عن الحق سبحانه أن قال) (9) ( وقليل من عبادي الشكور ) (10) وقال حكاية عن إبليس : ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (11).
ولنكتف بهذا القدر من البيان ، في هذا المقام فإنه بحر لا ساحل له.
مخ ۵۲
* الفصل الثالث
* في
* أن تحصيل هذه المعارف المقدسة. هل الطريق
* إليه واحد ، أم أكثر من واحد؟
اعلم أنه قد انكشف لأرباب البصائر : أن الطريق إليه من وجهين :
أحدهما : طريق أصحاب النظر والاستدلال.
والثاني : طريق أصحاب الرياضة والمجاهدة.
أما الطريق الأول ، وهو طريق الحكماء الإلهيين : فهو الاستدلال بأحوال (1) الممكنات على اثبات موجود واجب الوجود لذاته (2)، وذلك لأنه لما ثبت أن هذه الموجودات المحسوسات ممكنة ومحدثة ، وثبت أن الممكن محتاج إلى المرجح ، وثبت أن المحدث محتاج إلى المحدث ، وثبت أن التسلسل والدور محالان ، فحينئذ يجب انتهاء هذه الموجودات إلى موجود قديم (أزلي) (3) واجب الوجود لذاته. واعلم أن الشيخ الرئيس (أبا علي بن سينا) (4) ذكر في كتاب الإرشادات : أن هاهنا طريقا يدل على إثبات واجب الوجود لذاته ، بحسب اعتبار حال الوجود من حيث إنه وجود. قال : «ولا حاجة فيه إلى اعتبار حال وجود غيره فإنا نقول لا شك أن في الوجود موجودا. فنقول ذلك الموجود إن كان واجبا
مخ ۵۳
لذاته فهو المقصود ، وإن كان ممكنا لذاته فلا بد له من الواجب لذاته فثبت أن اعتبار حال الموجود من حيث إنه موجود ، يشهد بوجود موجود ، هو واجب الوجود لذاته» فهذا ما قاله ثم رجح هذا الطريق (على الطريق) (1) الذي يستدل فيه بإمكان ما سواه على وجوده.
واعلم ان البحث المستقصى (يدل) (2) على أن هذا الكلام ليس بقوي (وذلك) (3) لأنا إذا قلنا : الموجود إما واجب لذاته ، أو ممكن لذاته ، فإن كان ممكنا لذاته ، امتنع رجحان وجوده على عدمه إلا لمرجح ، فهذا استدلال بوجود الممكن على وجود الواجب ، فثبت أنه لا سبيل إلى إثبات واجب الوجود إلا بهذه المقدمة. وأيضا : فهب أن الطريق الذي ذكره يدل على إثبات واجب الوجود لذاته ، إلا أنه (يبقى) (4) الشك في أن ذلك الموجود الواجب لذاته ، هل هو هذه الأجسام أو غيرها؟ فما لم يقم البرهان على أن هذه الأجسام ممكنة لذواتها ، لم يقدر على الحكم باحتياجها في وجودها إلى المؤثر (5) والمرجح.
فيثبت بما ذكرنا : أن معرفة واجب الوجود لذاته ، لا تحصل (6) إلا إذا اعتبرنا أحوال وجود هذه المحسوسات ، فإنا إذا بينا أنها ممكنة لذواتها ، ثم بينا أن الممكن لذاته لا بد له من المرجح ، ثم بينا أن التسلسل والدور باطلان ، فعند ذلك يمكننا الجزم بإثبات موجود واجب الوجود لذاته. فهذا حاصل الكلام في الاستدلال بوجود غير الله على وجود الله تعالى.
وأما الطريق الثاني ، وهو طريق أصحاب الرياضة : فهو طريق عجيب (7) أكيد قاهر فإن الإنسان إذا اشتغل بتصفية قلبه عن ذكر غير الله وداوم بلسان جسده ، ولسان روحه على ذكر الله ، وقع في قلبه نور وضوء (8) وحالة قاهرة وقوة عالية. ويتجلى لجوهر النفس أنوار عالية علوية وأسرار إلهية ، وهي مقامات ما لم يصل الإنسان إليها ، لا يمكنه الوقوف عليها على سبيل
مخ ۵۴