كثيرة ، ومراتبها خفية عن العقول البشرية ، وكانت (1) أحوال تلك الوسائط مختلفة ومراتب أضوائها وقهرها وقوتها مختلفة ، وكانت قوة النفس الناطقة البشرية عند الترقي في هذه المراتب ضعيفة ، لا جرم بقيت أكثر النفوس البشرية في (درجة من) (2) درجات هذه المتوسطات بل نقول : أكثر الخلق بقوا في حضيض عوالم المحسوسات ، والشاذ القليل منهم تخلص من عالم الحس ، مترقيا عن عالم المحسوسات إلى عالم الخيالات ، و (القليل) (3) من أصحاب الخيالات انتقل إلى عالم المعقولات. ثم في عالم المعقولات مراتب الأرواح المقدسة كثيرة ، فلا جرم أكثر العقول الفاضلة (لما وصلت) (4) إلى عوالم أنوار المعقولات تلاشت وفنيت واضمحلت في أنوار تلك الأرواح (5) المقدسة. إلا من أيد بقوة قاهرة ، ونفس إلهية تترقى من زنجبيل المريخ إلى سلسبيل المشتري ومنه إلى كافور زحل (ثم استعلى على الكل وترقى على الكل) (6) ووصل الى الحضرة المقدسة ، عن لواحق عالم الإمكان وغيار الحدوث ، واستسعد بقوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) (7) أي ذلك الشراب الطهور ، يطهره عن علائق الإمكان والحدوث ، ويجليه على عتبة الوجوب بالذات. وإذا عرفت ذلك ظهر أن القليل من الأرواح البشرية يستسعد لقبول ذرة من ذرات (أنوار) (8) عالم الجلال. وهذه تلويحات وتنبيهات ذكرناها في مقدمة هذا العلم ، ليعلم الإنسان أن القليل من مباحث هذه المعالم الشريفة كثير كثير بالنسبة إلى الأرواح. ولذلك قال في الكتاب الإلهي (حكاية عن الحق سبحانه أن قال) (9) ( وقليل من عبادي الشكور ) (10) وقال حكاية عن إبليس : ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (11).
ولنكتف بهذا القدر من البيان ، في هذا المقام فإنه بحر لا ساحل له.
مخ ۵۲