غاية لمعانه وإشراقه. فإن القوة الباصرة قاصرة عن إدراكه على سبيل التمام والكمال. ألا ترى أن من تكلف النظر إلى قرص الشمس عند غاية لمعانه وإشراقه ، فإنه يتخيل ظلمة وسوادا في وسط قرص الشمس ، وكأنه يتخيل أن الأنوار إنما تفيض من أطراف قرص الشمس ، كأنه طست تفيض الأنوار من أطرافه ، فأما نفس القرص التي هي كالطست فإن الإنسان يراها كالظلمة السوداء ، إلا أن العقل السليم يحكم بأن تلك الظلمة ليست حاصلة في جوهر الشمس ، فإنه منبع الأنوار ، ومظهر الأضواء ، لكن القوة الباصرة للبشرية تصير مقهورة من كمال ذلك النور ، فيعجز عن إدراكه ، فلما عجز عن إدراكه تخيل فيه ظلمة وسوادا. أو (رأى) (1) النور كالأمر القابض من أطراف قرص الشمس وجوانبه.
والحالة الثالثة : المبصرات المعتدلة في القوة والضعف والكمال والنقصان وهي مثل الكيفيات القائمة بأجسام هذا العالم فإن القوة الباصرة يمكنها الوقوف عليها والإحاطة بها والوصول إلى تمام إدراكاتها ، فظهر بهذا البيان الذي قررناه : أن القوة الباصرة قاصرة عن إدراك (2) المبصرات القاهرة ، وقاصرة عن إدراك المبصرات الضعيفة أيضا ، ولكنها قادرة على إدراك المبصرات المتوسطة في القوة والضعف والكمال والنقصان وإذا عرفت هذه المراتب الثلاثة في قوة الابصار ، فاعرف مثلها في مراتب قوة البصيرة والعقل. وذلك لأن المعلومات على ثلاثة أقسام :
أحدها : المعلومات الضعيفة الحقيرة : وهي مثل مراتب الأمزجة والتغيرات والاختلافات الحاصلة عند درجات الاستمالات الواقعة في الأجسام الكائنة الفاسدة ، فإن العقول البشرية لا تقوى على إدراك تلك المراتب ، وضبط تلك الدرجات ، لأنها أحوال ضعيفة سريعة الزوال قريبة الانقراض والانقضاء ، فهي لضعفها وحقارتها لا تقوى العقول البشرية على إدراكها على سبيل الكمال والتمام.
مخ ۴۷