وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - رآه بعينه، وروى عطاء عنه: إنه رآه بقلبه. ثم ذكر أقوالا وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - والقول بأنه رآه بعينه. فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن.
وهذا القول الذي قاله القاضي عياض رحمه الله هو الحق، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى - عليه السلام - ، لكن لم يرد نص بأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نورا".
وقد روى مسلم أيضا عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال: "قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات، فقال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور) وفي رواية: (النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) (¬1) فيكون -والله أعلم- معنى قوله: لأبي ذر (رأيت نورا) (¬2): أنه رأى الحجاب، ومعنى قوله: (نور أنى أراه) (¬3): النور الذي هو الحجاب يمنع من رؤيته، فأنى أراه؟ أي فكيف والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته فهذا صريح في نفي الرؤية، والله أعلم (¬4).
وقد تقدم ذكر اختلاف الصحابة في رؤيته - صلى الله عليه وسلم - ربه عز وجل بعين رأسه، وأن الصحيح أنه رآه بقلبه، ولم يره بعين رأسه.
مخ ۲۱