وإذا كانت النصوص القطعية لا مجال للاجتهاد فيها وأما الظنية فيجوز الاجتهاد فيها فانه لابد من وجود الضوابط لهذا الاجتهاد حتى نصل للرأي الصحيح ولا نقع في الخطأ وفي ذلك يبين شارح العقيدة الطحاوية مسوغات الاجتهاد والتأويل الصحيح لذلك الاجتهاد بحيث لا يقع صاحب الاجتهاد في خطأ التأويل الفاسد، وهذا إقرار منه بالاجتهاد والاختلاف في مسائل الاعتقاد فيقول:
... " فالتأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاءت به السنة، والفاسد المخالف له. فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بيانا وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد-لم يكن بيانا ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم، لا إنشاء.
وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل: معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخبارا بالذي عنى المتكلم فإن لم يكن الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم. ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة، منها: أن يصرح بإرادة ذلك المعنى. ومنها: أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له، كقوله: { وكلم الله موسى تكليما } ( 146: النساء ). وكما في الحديث: (أنكم ترون ربكم عيانا كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب)(¬1).
مخ ۱۹