294

ويدخل في مبحث الحقيقة الطبيعية كل الحقايق الحسابية والهندسية والمنطيقية والفوق الطبيعية، لثبوت أصولها ورسوخ قواعدها وصدق نتايجها المطردة، فإنه يستحيل ألا يصدق قولنا: ثلاثة في ثلاثة تسعة، وقولنا: حاصلا مضروب فيه متساو متساويان في خارج قسمتهما عليه ومتناسبان، وقولنا: حاصل ركني الوسط يعادل حاصل ركني الطرف في النسبة الأربعية الأركان. وقولنا في الهندسة: منفرجة وحادة تعدلان قايمتين، والمنحي يصنع قوس دايرة، والأقطار المارة من المحيط في المركز هي متساوية، ومن كل ضلع معلوم وزاوية معلومة يخرج مجهول. وقولنا في المنطيقية: المتناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان. وفي الفوق الطبيعية: الله موجود، والنفس بسيطة، وكل الحقايق الدينية المدروجة في الوحي الصادق والمسنودة إليه فكل هذه الحقايق لها أن تدخل في مقام الحقايق الطبيعية لاشتراكها معها في الثبوت والرسوخ والصدق.

في الحقيقة الأدبية الوجودية

إن الحقيقة الأدبية الوجودية هي تصديق تصوري يستنتجه العقل من تصورات يستفيدها من الحوادث المخبورة والمسموعة، وذلك كحقيقة نفع العلم وضرر الجهل، فإن تصور العلم المستفاد من الخبرة أو السماع، وتصور النفع المستفاد منهما أيضا، يطبعان في الذهن تصور علاقة أدبية تضم النفع إلى العلم ضم المعلول إلى العلة، وهكذا يحكم العقل بكون العلم نافعا، ويكون حكمه هذا حقيقة وجودية أدبية. فقولنا حقيقة إنما هو لكون نفع العلم صحيحا، وقولنا وجودية إنما هو لكون هذا النفع موجودا، وقولنا أدبية إنما هو لكون هذه الحقيقة قد تولدت تصوراتها تولدا وهميا غير مشتمل على تماثيل حسية نظير الحقايق الطبيعية.

في الحقيقة الأدبية العدمية

إن حصول هذه الحقيقة هو عين حصول الحقيقة المتقدمة، ولكنها تختلف من جهة كونها مأخوذة عن حوادث كاذبة غير حقيقية، وذلك كحقيقة ظلم الدهر وإصابة العين، والارتباط ما بين أعمال الإنسان وحركة الفلك، وزوس اليونانيين وأبو هول المصريين وبرهمة الهند، وما شاكل ذلك. فإن كل هذا كان يعتبر عند أهله كحقايق وجودية صحيحة، مع أنه عدمي لا أصل له. فإن الدهر كلمة لا يوجد لها معنى لعدم دلالتها على شي وجودي؛ لأن الدهر ليس شيئا، وهكذا ظلمه، وكل الحوادث التي ينسبها الناس إليه إنما هم خليقون باستحداثها، فلا دهر إلا أعمالهم وشرايع هيئتهم. وهكذا في إصابة العين وهلم جرا، فإن العين موضوعة للبصر لا للإصابة، والفلك للأزمنة والأوقات لا للسعد والنحس، وزوس وأبو الهول وبرهمة آلهة لا وجود لها، وربما كانوا بشرا تألهوا على بشر.

في الحقيقة الأدبية الأصلية

إن مدار هذه الحقيقة يتوقف على مباد وأوضاع تنشأ عن أحكام الاتفاق أو صواب العقل، وذلك كقولك في الوضعيات: الكل أعظم من جزأيه، ومساوي المساوي مساوي، وكقولنا في الأدبيات: كل لسان بإنسان، وكل حال تزول. فالمثلان المتقدمان هما حقيقتان مأخوذتان عن صواب العقل، وأصليتان لكونهما منشأ حقايق فرعية كثيرة. والمثلان المتأخران هما حقيقتان مأخوذتان عن أحكام الاتفاق، وأصليتان لكونهما مقياس عدد وافر من الحقايق الأدبية. وقس على ذلك.

في الحقيقة الأدبية الفرعية

إن هذه الحقيقة تأخذ صدورها من الحقيقة المتقدمة لأنها تتفرع عنها، وذلك كقولنا: النهر جزء من البحر فالبحر أعظم منه، والحيوان كلي للإنسان فهو أعظم منه، وزيد مساو لعمرو وعمرو مساو لبكر فزيد مساو لبكر، وفلان يتكلم لسانين فهو يعدل إنسانين، وحال زيد في نعيم أو في شقا فهي تزول. فإن كل ذلك يدعى حقايق أدبية فرعية لأنه قد تفرع عن الحقايق الأصلية المتقدم إيرادها.

في الحقيقة الأدبية الحقيقية

ناپیژندل شوی مخ