جبل النار.
وضواحي نابولي كثيرة بهية الجمال، منها عدة جزر في البحر ومنها جبال وسهول يمكن أن يقضي الزائر فيها أواقيت الهناء، وأهمها من وجه تاريخي مدينة بومبي كتب مجلدات عنها وعن جبل النار، وقد كان من أمرها أنه في سنة 72 مسيحية اشتد هياج البركان وقذف من الحجارة والطين والمواد المحرقة فوق مدينة بومبي طبقة ردمتها وغطتها سمكها نحو 20 قدما، فمات في هذا الحادث نحو ألفين من الأهالي، وفر الباقون في جوانب الأرض فدفنت المدينة وطمست أخبارها من بعد هذا المصاب، وحدث في القرن الخامس عشر أن بعض المهندسين وجدوا أساس منازل مدفونة، ثم عثر بعض الفلاحين سنة 1748 ببعض الأواني المنزلية من النحاس وغيره؛ ولذلك تنبهت الأفكار إلى مدينة بومبي القديمة، فصدر أمر الملك شارل الثالث بإزالة الردم واستمر العمل أعواما عديدة، وكانوا كلما وجدوا أثرا ينقلونه إلى متحف نابولي، من ذلك هياكل الرجال والنساء محجرة وحلي ذهبية وفضية وأشكال لا تدخل تحت حصر أو قياس، وقد سرت إلى هذه الآثار مع أحد الأدلاء الذين يعينهم المجلس البلدي ولهم رواتب منه، فدخلت المدينة المتردمة وسرت في شوارعها ومماشيها، ورأيت أنه ما بقي من أثر لهذا البلد إلا جدران بعض المعابد الوثنية ومواضع للرقص وأفران ومنافذ بعض المنازل، فاعتراني من وصف الدليل على إبهامه حيرة حين تأملت تلك الخرائب والشوارع المقفرة، وذكرني حالها بعبر الدهر وغير الزمان.
ومن ضواحي نابولي «كاستلا ماره»، وهي مدينة صغيرة زاهية زاهرة مبنية على خليج نابولي غربا، تشرف على الخليج وجزره، ومنازلها ممتدة مسافة ميل على طول الشاطئ، ومنها يمكن الصعود إلى التلال المجاورة المكسوة بشجر الكستناء، وقد اشتهرت هذه الجهة ببدائع جمالها الطبيعي حتى إن الملك فردناند اتخذها مصيفا له سنة 1820 حين اشتدت وطأة الطاعون في نابولي، وأطلق عليها اسم كوي سي سانا - أي هنا الشفاء - وهي من مثابات السائحين المشهورة. وعلى مقربة منها بلدة «سورنيته»، ذهبنا إليها في طريق جميعه محاسن طبيعية، وهي مثل شقيقتها مبنية على شاطئ البحر يصطاف فيها العدد العديد من السكان والغرباء وأكثر الغرباء إنكليز وأميركان، فإنهم يرون في هذه المدينة الصغيرة كل ما يوافق ذوقهم، من ذلك الحمامات البحرية والتجول في البحر في زوارق شراعية والتنزه على الأقدام أو على الخيل والحمير ما بين الغابات، وقل أن يشتد الحر هنا، فإن الهواء البحري الغربي يرطبه وينعش الأجسام، فلما قضيت زمنا في سورنيته عدت منها إلى نابولي. وفي الغد ركبت باخرة صغيرة مع العدد العديد من السياح إلى جزيرة كابري، وهي أيضا من المصايف المعدودة، ومع أن عدد سكانها لا يزيد عن ثلاثة آلاف فهم أوجدوا فيها عددا كبيرا من الفنادق لكثرة المصطافين فيها والوافدين إليها لرؤية «المغارة الزرقاء»، وقد زرت هذه المغارة في زورق من الزوارق التي تنقل المسافرين في تلك الجزيرة، ووجدت طول المغارة من الداخل 175 قدما والعرض 100 قدم وعمقها ثماني أقدام، وسقفها الصخري لا يزيد عن أربع أقدام فوق رءوس الداخلين، وقد سميت الزرقاء؛ لأن المياه بداخلها زرقاء اللون، ولها منظر غاية في الغرابة، ويجتمع هناك غواصون من الأهالي نزلوا أمامنا للقاع، فكان لون أجسامهم أزرق كالفيروز، ثم عدنا إلى الجزيرة مع السياح، وهم يذكرون المآكل اللذيذة ورخص أثمانها، ولا سيما النبيذ، فإن الموجود منه في ضواحي نابولي من أحسن الخمور وأرخصها ثمنا، وقد جرت معامل الخمر في فرنسا على جلب المقادير الوافرة منه ومزجه مع خمورها، وهم يضعون علامة معاملهم على الزجاج ويبيعونه بأغلى الأثمان.
ومن أجمل ضواحي نابولي مدينة كازرته، ونسبتها إلى نابولي نسبة فرسايل إلى باريس، فإن فيها قصرا لملك إيطاليا من أفخر قصور الملوك في أوروبا، وهي على نحو عشرين ميلا من نابولي يقصدها خلق كثير للنزهة.
وأما أشكال الخضر والفاكهة فكثيرة في نابولي، وثمنها رخيص، وقد لا تجد في أوروبا كلها بلدا له جمال هذه المدينة ورخص المآكل فيها وتنوع المناظر في البر والبحر وغرابة المشاهد الحديثة والآثار التاريخية، وقليل بين الناس أيضا من كان مثل أهل نابولي في سرعة الاختلاط بالغريب، ولعل أهل هذه المدينة أكثر الطليان ميلا إلى الاغتراب والضرب في مناكب الأرض؛ فإن أكثر الطليان من نزلاء مصر وغيرها من أهل نابولي يعرفهم المرء لأول وهلة أينما كان من اللهجة الخاصة بهم، وقد مر عنها الكلام.
هذا آخر ما شهدت في بلاد الطليان، وقد أوجزت في وصفه لأسباب كثيرة، أهمها أن إيطاليا معروفة أكثر من سواها عند قراء العربية، وأن الوصف متقارب في أكثر الفصول، والمشاهد هنا تقرب من مشاهد أوروبا التي أطلت الكلام عنها. وإني لما انتهيت من هذه السياحة عدت إلى القطر المصري وكانت زياراتي لمدائن إيطاليا عديدة، فإني مررت بها كثيرا في الذهاب والإياب عند زيارتي للممالك التي سبق الكلام عنها في الفصول الماضية من هذا الكتاب.
الولايات المتحدة
خريستفوروس كولمبوس مكتشف أميركا.
خلاصة تاريخية
كانت القارة الأميركية برمتها من مجاهل الأرض عند الساكنين في بقية الأنحاء إلى أن قام المكتشف العظيم خرستوفر كولومبو في أواسط القرن الخامس عشر وأذهل باكتشافها العالمين. وقد ولد هذا الرجل العظيم في عام 1436 في مدينة جنوا من مدائن إيطاليا، وكان والده صاحب معمل للنسج. وأما هو فعرف من أول عهده بحب السفر وخوض البحار حتى إذا كثرت معارفه وزاد ميله إلى السفر البعيد خطر له أن يصل الهند من ناحية البحار الغربية، وجعل يفكر في ذلك زمانا ويحسب ألا بد من وجود أرض في الطريق لم يصلها سواه، فطلب من حكومة بلاده أن تعينه على اكتشاف تلك الأرض ولم يلق منها قبولا، ثم قصد حكومات البورتوغال وفرنسا وإنكلترا، فكان نصيبه منهن الإعراض حتى إنه طرق باب الحكومة الإسبانية وملكها يومئذ فردناند والملكة إزابلا، فرضيا بطلبه وأمرا بإعداد سفن قليلة تسير في عرض البحار تحت أمره، فقام من شطوط إسبانيا في 7 أوغسطس من عام 1492، وبعد سفر 65 يوما بلا انقطاع، ومعاناة متاعب شتى وصل جزائر الهند الغربية مثل كوبا وسان سلفادور، وهو الذي أطلق عليها هذا الاسم؛ لأنه ظنها جزءا من بلاد الهند المعروفة، وعاد كولومبو بعد هذا الاكتشاف إلى إسبانيا، فأكرمت وفادته وعين واليا على الأرض التي اكتشفها، ثم عاد إليها في سياحة ثانية وظل يروح ويجيء ما بين إسبانيا وتلك الجزر حتى اكتشف القارة الأميركية بنفسها في رحلته الرابعة عام 1502 عند شطوط فنزويلا في أميركا الجنوبية.
ناپیژندل شوی مخ