141

مشاهد ممالک

مشاهد الممالك

ژانرونه

المدينة القديمة:

هي ثغر كانت عاصمة الجزيرة قبل بناء فاليتا، سماها العرب المدينة، وكان اسمها قبل نوتابلي، وأهل الجزيرة يعرفونها باسم المدينة العتيقة على حد مصر العتيقة. وفي هذه المدينة آثار الدول والشعوب التي تداولتها، ففيها معابد جونو وأبولو، وتلك الكهوف التي جعلها المسيحيون كنائسهم وملاجئهم أيام الاضطهاد في بدء النصرانية. وهنالك حدثت المعارك الكثيرة والحصار المتوالي لما هاجمها العرب والأتراك والفرنسويون والإنكليز. وقد مدوا سكة حديدية سنة 1883 بين العاصمة والمدينة القديمة هذه، واشترتها الحكومة الإنكليزية من الشركة التي مدتها في سنة 1892، وطول هذه السكة 8 أميال، وهم يتوصلون إلى المحطة من سرداب طوله 1000 متر، وعرضه 70. وقد جعلوا للسرداب نوافذ يدخل منها النور والهواء، فذهبنا منه إلى المحطة وسافرنا في القطار إلى المدينة العتيقة فبلغناها بعد الوقوف في محطات كثيرة، وتوجهنا توا إلى قصر اللورد جرنفل، وهو يومئذ حاكم الجزيرة كان في القصر الصيفي مثل كثير من الذين يقضون أشهر الحر في هذا المكان؛ نظرا لكونه قائما على ضفة البحر، ولما علم جنابه من الحديث أنني أريد الكتابة عن مالطة أمر سكرتيره - وهو اللورد توين - أن يسير معي في القصر ليدلني على تحفه وآثاره، فبدأ هذا الشاب النبيل يقول لي إن القصر بناه فيروال رئيس الفرسان في سنة 1582. وأخذني بعد ذلك إلى سرداب تحت الأرض بلغته على سلم لولبي، قال لي إنه كان سجن الفرسان بأمر الرئيس، والسجن عبارة عن غرفة واسعة لها أربع نافذات، ولها جدران سميكة وأرضها مبلطة، دلني اللورد إلى بلاطة عليها رسم الشطرنج، كان المسجونون من الفرسان يقضون الأوقات باللعب عليها فيما يظهر. وأخذني السكرتير بعد ذلك إلى سطح القصر حيث رأيت مالطة بأوضح الأشكال، وكان الرجل يسألني في خلال ذلك عن بعض إخوانه من ضباط الإنكليز في مصر. ولما انتهيت من القصر شكرت اللورد جرنفل وودعته وسرت إلى غابة قريبة من القصر فيها نحو 100 شجرة من الأزدرخت والصفصاف والتوت والخروع زرعت بلا نظام، وهي نامية بماء عين يجري تحت الأرض. ورأيت في هذه المدينة كنيسة عظيمة لا مثيل لها في مصر أو الشام، كل جدرانها من الرخام الأبيض أتوا به من إيطاليا، وعمدها ضخمة من الرخام السماقي الأحمر، وفيها أعمدة من الرخام الأصفر، والذهب كثير في سقفها وجوانبها، ولها قبة شاهقة نقشوا عليها الصور الدينية، وفوق الهيكل صليب طوله 3 أمتار أتى به الفرسان من رودس، وفي خارج الكنيسة بعض المدافع القديمة. وذهبت بعد ذلك إلى كهوف النصارى الأول، وقد تهدم كثير منها، فأوقد الدليل شمعة، وجعل يشرح لي ما يعلمه عنها. ومن حكاياته أن معلما دخل مع تلاميذه يوما ليتفرجوا عليها فاختفى الكل، ولم يقف أحد على أثر لهم من ذلك الحين، وقالوا إنه دخلها خنزير يوما فوجدوا بعد ثلاثة أيام أنه خرج إلى شاطئ البحر كأنما هي متصلة به. وشاهدت بعد هذا تماثيل جونو وأبولو، ثم عدت إلى العاصمة في الطرق المنحدرة والأراضي الصخرية والرملية، كالذي تقدم عنه الكلام.

سليمة:

من الأحياء الجميلة في مالطة حي بني على شاطئ البحر اسمه سليمة، وربما كان أصل الاسم عربيا يمكن الوصول إليه من العاصمة، وقد قصدته من شارع ريالة بالطرق الملتفة المنحدرة، ووجدت في الطريق أكمة حفروا تحتها سردابا وله نوافذ يدخل منها النور. فلما خرجت من هذا السرداب ظهر البحر، وفيه الباخرات الصغيرة والقوارب على أشكالها، وهي أبدا تمخر بين سليمة والعاصمة كل خمس دقائق، والمسافة بينهما لا تزيد عن عشر دقائق بين الجهتين. وقد كان حي سليمة شاطئا مهجورا من سنين، فأصبح الآن من أجمل الأحياء، له حديقة طويلة غرس فيها بعض الأشجار والزهور، على يمينها البحر وعلى الشمال منازل السكان وأكثرها لطيف المنظر، وتحتشد الجماهير في هذه الجهة كل مساء من أهل هذا الحي وغيره، يأتونها بعد الغروب لاستنشاق الهواء النقي، ولا سيما في الليالي المقمرة، حيث تصدح الموسيقى ويكثر القاعدون في القهاوي المحدقة بهذا المتنزه الجميل.

لغة مالطة:

ما زال أهل العلم والآداب حتى الساعة في ريب من أصل اللغة المالطية، وهي خليط ظاهر من العربية والطليانية، قال بعضهم إنها لغة إيطاليا مكسرة، وزعم غيرهم أنها لغة أهل لبنان. ولكن الغالب على الظن أن القوم ركبوا لغتهم من لسان إيطاليا ولسان تونس، وكلا القطرين قريب من مالطة لا تزيد المسافة عن 14 ساعة، ولفظهم العربي قريب من لفظ أهل تونس، وهم يكسرون الألف كالياء، فبدل أن يقولوا فارس يقولون فيرس. واللغة المالطية لا تكتب، فهم يتعلمون الطليانية في مدارسهم، ويكتبون بها في كل حالة، وقد طبعت الجمعيات الدينية أسفارا من الإنجيل والتوراة بلسان المالطيين بحروف إفرنجية يخالطها بعض الحروف العربية. فالقوم يتكلمون بهذه اللغة المستغربة ولكنهم يكتبون بالطليانية، وأكثر المتعلمين منهم يعرفون الإنكليزية؛ لأنها لغة الحكومة، ولكن عامتهم لم يألفوها مع أنه مضى أكثر من قرن على احتلال الإنكليز، وربما كان السبب نفور القوم من لغة الأمة الفاتحة، وهو شأن كل أمة خضعت لغيرها قهرا، مثل بولونيا وفنلاندا والألزاس واللورين وغيرها، وهذا أنموذج من لغة مالطة:

عربي

مالطي

دخلت بستانكم وقطفت من رمانكم.

دخلت فلجردين تبعكم وقطعت من الرومين تبعكم.

ناپیژندل شوی مخ