[القول بالقدم يستلزم القول بعدم القدم وليس العكس ]
وهذا الذي بيناه: من أن القول بقدمه يستلزم القول بعدم قدمه يبين أن القول بقدمه ممتنع: لاستلزامه اجتماع النقيضين.
وأما ما ذكروه من أن القول بحدوثه يستلزم القول بعدم حدوثه فباطل كما تقدم بيانه. وإنما يقتضي إذا سلمت المقدمات: أن حدوثه متوقف على حدوث (حوادث لا أول لها)، وحدوث (حوادث لا أول لها) على كل تقدير يوجب القول بحدوثه، أو إمكان حدوثه، وعلى التقديرين: يبطل الجزم بقدمه.
فحجتهم لا تستلزم القول بقدمه، وما ذكرناه يستلزم القول بحدوثه؛ وذلك أن (حوادث لا أول لها)؛ إن لم تكن ممكنا في العقل، -كما يقوله من يقوله من المتكلمين- وجب القول بحدوث العالم؛ لئلا يستلزم قدمه (حوادث لا أول لها)، وإن كان ممكنا في العقل: أمكن حينئذ (حوادث لا أول لها)، وأن يكون العالم حادثا بحدوث بعضها. فليتدبر العاقل هذا، والله أعلم.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون / (¬1) قديما ولا يكون مبدعه موجبا بمجرد ذاته، بل يكون أبدعه باختياره القديم، وإذا كان أبدعه بمشيئته مع قدمه لم يلزم أن يكون مبدعه موجبا بالذات، بل يكون فاعلا بالاختيار.
وحينئذ: فيجوز تأخر بعض الحوادث؟
قيل أولا: إن كان الاختيار القديم يوجب مقارنة المراد له لزم قدم جميع المرادات، وهو باطل؛ فإن الحوادث مرادات.
وإن لم يوجب مقارنة المراد لم يلزم قدم العالم.
مخ ۱۶۶