الْقَاعِدَة الأولى: إنّ الْقَضِيَّة السالبة لَا تَسْتَلْزِم وجود (١) الْمَوْضُوع بل كَمَا تصدق مَعَ وجوده تصدق مَعَ عَدمه. فَإِذا قيل: (مَا جَاءَنِي قَاضِي مكَّةَ وَلَا ابْن الْخَلِيفَة) صدقت الْقَضِيَّة وإنْ لم يكن بِمَكَّة قاضٍ وَلَا للخليفة ابْن. وَهَذِه الْقَاعِدَة هِيَ الَّتِي يخرج عَلَيْهَا: (فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين) وَبَيت امْرِئ الْقَيْس، فإنّ شَفَاعَة الشافعين بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَافرين غير مَوْجُودَة يَوْم الْقِيَامَة لأنّ الله تَعَالَى لَا يَأْذَن لأحد فِي (٢) أنْ يشفع لَهُم لأنّه لَا يَأْذَن فِي مَا لَا ينفع لتعاليه عَن الْعَبَث، وَلَا يشفع أحد عِنْد الله إِذا لم يَأْذَن الله لَهُ (٣): (مَنْ ذَا الَّذِي يشفعُ عِنْده إلاّ بِإِذْنِهِ) (٤) . وَكَذَلِكَ الْمنَار غير مَوْجُود فِي اللاحب الْمَذْكُور، لأنّ المُرَاد التمدح بأنّه (٥) يقطع الأَرْض المجهولة من غَيرهَا ويهتدى بِهِ، فغرضه إنّما تعلَّق بِنَفْي وجود مَا يهتدى بِهِ فِي تِلْكَ الطَّرِيق الَّتِي سلكها لَا بِنَفْي وجود الْهِدَايَة عَن شَيْء نُصب (٦) فِيهَا للاهتداء بِهِ. وأمّا قَول أبي حيّان وَغَيره: المُرَاد لَا شَافِع لَهُم فتنفعهم شَفَاعَته وَلَا منار فيهتدى بِهِ (٧) فَلَيْسَ بِشَيْء، لأنّ النَّفْي إنّما يتسلط على الْمسند لَا على الْمسند إِلَيْهِ، وَلَكنهُمْ لمّا رَأَوْا الشَّفَاعَة والمنار غير موجودين توهموا أنّ ذَلِك من اللَّفْظ فزعموا مَا زَعَمُوا، وفَرْقٌ بَين قَوْلنَا: الكلامُ صادقٌ مَعَ عدم الْمسند إِلَيْهِ، وَقَوْلنَا: إنّ الْكَلَام اقْتضى عَدمه. الْقَاعِدَة الثَّانِيَة: أنّ الْقَضِيَّة السالبة الْمُشْتَملَة على مُقَيّد نَحْو: " مَا جَاءَنِي رجلٌ شاعرٌ " يحْتَمل وَجْهَيْن: الأول (٨): أنْ يكون نفي الْمسند بِاعْتِبَار المقيّد فَيَقْتَضِي الْمَفْهُوم فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وجود مَجِيء رجلٍ مَا غير شَاعِر، وَهَذَا هُوَ الِاحْتِمَال الرَّاجِح المتبادل،
_________
(١) أ: وُقُوع.
(٢) (فِي) سَاقِطَة من ب.
(٣) (لَهُ) سَاقِطَة من أ، ب.
(٤) البقة ٢٥٥.
(٥) من ح، وَفِي أ، ب: لِأَنَّهُ.
(٦) سَاقِطَة من ح.
(٧) (بِهِ) سَاقِطَة من ح. وَقَول أبي حَيَّان فِي الْبَحْر الْمُحِيط ٨ / ٣٨٠.
(٨) ح: أَحدهمَا.
1 / 17