نكبة التراث
وقد مرت باليمن أحداث وكوارث، ومحن وصراعات، وحروب وأوضاع اقتصادية واجتماعية متقلبة، جنت على كنوز التراث، وأفقدت البلاد المئات والآلاف من نفائس النقوش والآثار والمؤلفات.
ومن ذلك ما نقله العثمانيون إلى تركيا من مخطوطات أيام احتلالهم لليمن وهي كثيرة لا أبالغ إن قدرتها بالآلاف حوتها مكتبات تركيا الخاصة والعامة ضمن ربع مليون مخطوط نقلها الولاة العثمانيون من مختلف عواصم العالم العربي والإسلامي ومدنه أيام الدولة العثمانية انظر (مصادر التراث في المتحف البريطاني ص 8) وفي العصر التركي الأخير (القرن الثالث عشر الهجري) كان لشغف الأتراك بنوادر المخطوطات أثر كبير في تسرب كتب التراث اليمني وعرف من هؤلاء هواة كبار كالشيخ علي أميري الذي يقول عنه أيمن فؤاد السيد: إنه كان متجردا طول حياته لابتياع الكتب، وكان دفتر دار للأتراك في اليمن، فبلغت الكتب التي ابتاعها من اليمن نحو ألف مجلد وهو مثال بسيط لما حصل من قبل الأتراك.
وكذلك ما حوته المكتبات الأوربية والعالمية من مخطوطات يمنية تسربت عبر القرون الماضية بمختلف الطرق والوسائل غير الشربفة، ومن تلك المكتبات الأمبروزيانا في إيطاليا التي تضم وحدها نحو سبعة الآف من المخطوطات اليمنية، ولعلها أكبر مجموعة يمنية موجودة في مكتبة واحدة من المكتبات الأوربية، وهنالك الكثير الجم من المخطوطات اليمنية في مكتبات برلين، وفينا، وباريس، ومدريد، وليدن، وهولندا، ومكتبة المتحف البريطاني وغيرها من مكتبات لندن، وكثيرا من المكتبات الأوربية والامريكية.
هذا غير ما حوته مكتبات الهند والعراق وإيران ومصر وبلاد الشام ودول الخليج وعلى رأسها السعودية من مخطوطات يمنية تعد بالآلاف تسربت بيعا وسطوا ونهبا في ظل الظروف التي شهدتها اليمن، (انظر بعض المقتطفات والملاحق في نهاية هذه المقدمة).
وقد شهدت السنوات الأخيرة سرقات ومتاجرات بكنوز التراث شملت الآلاف من المخطوطات التي هربها اللصوص والتجار إلى مختلف الأقطار، وما حدث خلال السنوات الماضية من أكثر الشواهد على ذلك، ويكفي للتدليل على تسرب المخطوطات إلى خارج البلاد عبر مختلف المنافذ ما ضبط في (حرض) وحدها وفي حادثة واحدة فقط تمت مصادرة أكثر من خمسمائة مخطوط كانت في طريقها إلى دولة مجاورة عن طريق تاجر واحد، وفي وكر واحد في صنعاء ضبط أكثر من ألف وسبعمائة مجلد مخطوط وفي فترة نصف قرن مضى يقدر الأستاذ عبدالملك المقحفي ما تسرب من المخطوطات إلى الخارج قرابة عشرة الآف مجلد مخطوط.
ولقد رأينا من العبث والاستهتار وعمليات المتاجرة بكنوز التراث ما يشيب لهوله الولدان، مئات وآلاف المخطوطات بيعت بأبخس الأثمان بعد أن حل المتاجرون والوسطاء والمنتفعون ضيوفا علينا، وبعد أن شبت الأطماع وساد الجهل والتهاون، وانتقل تراث الكثير من الأسر العلمية إلى أيدي خلف جاهل لم يقدرها حق قدرها، ولم يحتفظ بها كتراث وهوية وميراث للآباء والأجداد الذين أفنوا أعمارهم في تحصيلها ونسخها وتأليفها والحفاظ عليها، ولكم سمعنا عن اختفاء عشرات المكتبات الخاصة نهبا وسرقة وبيعا في مختلف أنحاء اليمن من (صعدة) إلى (شهارة) و(حوث) و(المدان) و(معمرة) و(السودة) و(صنعاء) و(ذمار) و(كوكبان) و(شبام) و(ثلاء) وغيرها من المناطق، وتنقل العشرات من تجار التحف والهدايا باذلين الأموال ثمنا لأي مخطوط، وهو ما أغرى وشجع اللصوص والجهلة على السطو والنهب والبيع والشراء، ولكم سمعنا وطالعتنا الصحف في السنين الماضية بأنباء الحوادث والسرقات للمخطوطات من المكتبات العامة قبل الخاصة، ووصل الأمر إلى السطو على المساجد والجوامع في مختلف المناطق ومنها مكتبة الجامع الكبير بصنعاء تعرضت لأكثر من عملية سرقة وسطو، ناهيك عما حدث لمساجد (صعدة) وجامعها الكبير ومساجد (شهارة) و(المدان) ومختلف المناطق في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه ووسطه، ومتابعة هذه الحوادث تحتاج إلى مجلد.
ومن المحزن والمؤسف أن بعض ما حوته المكتبات التي شملها هذا الفهرس المتواضع قد اختفى من الوجود سرقة ونهبا ولم يبق منه سوى الفهارس التي سجلناها، وهذه مكتبة السيد يحيى بن محمد بن عباس -رئيس الاستئناف قبل الثورة- المذكورة في هذا الكتاب والتي احتوت على أكثر من تسعين مجلدا من نفائس المخطوطات قد سرقت بأكملها، وجنى عليها الإهمال والتواكل فتسربت سرقة وبيعا من قبل أحد أقارب المستأجرين للدار التي كانت بها ولم ينتبه أفراد الأسرة إلا بعد فوات الأوان، وفوجئنا حين طلبت تصوير بعض المخطوطات أن كل محتويات المكتبة من المخطوطات قد اختفت وضاعت، وعرف الفاعل والجاني بعد أن باعها جميعا وعجزت الأسرة إلى اليوم عن استرداد أي مخطوط منها.
مخ ۹