مصابیح ساطعه انوار
المصابيح الساطعة الأنوار
ژانرونه
ثم أخبر أن الناس في غفلتهم عن ذكر خالقهم وربهم وتماديهم لنسيانه فيما يرتكبون من ذنوبهم إنما أتوا في ذلك من تكذيبهم بيوم الدين وهو يوم الجزاء والديانة لأعمال جميع العالمين، فأعلمهم سبحانه أن عليهم شهودا حافظين كراما كاتبين يعلمون ما يفعلون، فهؤلاء الحافظون فهم الملائكة المقربون، وما يكتبون فهو حفظهم لما يعلمون من الحسنات، وعلمهم الذي ليس فيه نسيان لما يحصون عليهم من جميع السيئات، إذ أحفظ الحفظ عند الإنسان هو الكتاب، والكتاب هو الثابت من الحفظ الذي لا يدخله وهم ولاشك ولا ارتياب، فمن أحفظ أو أحصى، أو أي شهود أعدل علينا شهادة أو أرضى من ملائكة الله المقربين، وأمنائه الأطيبين، الذين لا ينسون من أفعال الناس التي أمروا بحفظها شيئا صغيرا ولا كبيرا، ولا يزيدون فيها ولا ينقصون قليلا ولا كثيرا، هم أعدل عدلا، وأصدق صدقا، وأفضل فضلا من أن يتقولوا قليلا أو كثيرا باطلا، فقد يمكن والله أعلم أن يكون حفظهم لأعمال البشر من الخير والشر، وهم في محل كرامتهم من السموات لما أعطاهم الله من فضل القوى على كل الخلق في جميع الحالات، فيعلمون بتقوية الله لهم وما أعطاهم من فضل القوة في الإدراك ما يأتي الناس به من الإساءة والإحسان، ويحفظون حفظا هو الكتاب الذي لا يدرس ولايذوى ولا يتغير بما يكون منه من الطاعة والعصيان، لأن من عقل وفهم يعلم أن الملائكة في البنية والقوة والإحتمال على خلاف ما عليه الإنسان، لأن الملك روحاني لطيف قوي، والإنسان جسماني ضعيف جسدي، ومركب من طبائع مختلفة، والملك مخلوق من طبيعة واحدة لطيفة ليس في خلقه تضاد بتركيب من الطبائع المختلفات، ولا يشبه الإنسان في جميع الصفات، وكذلك الملك في فضله وما ذكرنا من وصفه هذا كله فيصغر وتقل صفته عند جلال الله وخلوص وحدانيته، لأن الملائكة بعضهم ببعض محيطون، وبعضهم لبعض مدركون، ولهم مناه وحدود فهم محدودون، والله سبحانه ليس بذي حد ولا أجزاء ولا أركان، ولا يحيط به تعالى ملك ولا بشر ولا جان، وإذا كان البشر لا يدركون الملائكة بمعاينة وهم خلق مثلهم، فالملائكة في العجز عن إدراك الله كهم، ولا يدركه سبحانه أبدا مخلوق، وإن كانت بين خلقه في قواهم وبينهم كلهم فروق فالله سبحانه محتجب عن جميع خلقه، لا يرى في هذه الدار، ولا في الدار الأخرى لعجز بنيتهم كلهم عن إدراكه بلا شك ولا امتراء بلا حجاب مستور من ظلام ولا نور.
ألا ترى أنا معشر بني آدم محجوبون عن المشي على الماء حجاب عجز قوة بنية لا سترة عنه ولا غطاء، وكذلك حجب الإنسان لعجز بنيته عن الثبات في الجو والطيران، وكذلك حجبت الجن والملائكة عن أن يخلقوا ويصوروا إذ لم يعطوا القوة على ذلك فيقدروا، والله سبحانه لا يراه ملك ولا بشر ولا جان بوهم ولا فكرة ولا عيان, ودرك أهل السماء والأرض له درك إيقان وعلم بربوبيته تبارك وتعالى وإيمان، غير أن الملائكة لله سبحانه أيقن يقينا وأشد اتصالا وأعرف معرفة، وأثبت إيمانا، وأقرب إلى العلم إفهاما من جميع الناس لما يدخل على الإنسان وهن الفهم والإلتباس.
مخ ۲۹۲