فأعطاه دينارًا آخر، فقال: ضمد رجليك بعجة بيض مخلوطة بعسل فإن ألمك يزول فازداد الطواشي غضبًا وعلم أن ذلك الرجل جاهل فأدبه كما ينبغي وطرده بعد أشحاره فرجع إلى ما كان عليه من فلاحة.
وإنما أوردت هذه الحكاية لأنبه على أننا إن اشتغلنا بمباحث الآدميين في العلوم ومناظرتهم في دقائق الأسرار ربما افتضحنا معهم وسمحت المسألة وعادت على واضعها بالنقص. قال العفريت: نعم ما قلت أيها الوزير وإن الله خلقنا من النار والنار طبعها الإحراق والتعدي والظلم والإهلاك والجهل والأخذ من المستحق من غير نظر إلى استحقاقه وخلقهم من التراب وطبعه التدبير والسكون والحلم والعدل والحكم وهم مع هذه الأوصاف لو خرجوا عن دائرة العدل ولو قدمًا واحدًا لتحكمنا فيهم كيف ما نختار ولعبنا بهم كما يلعب بالكرة الصغار، فنحن إذا خرجنا عن دائرة حدنا وتعدينا في ظلمنا وجورنا لم نأمن من غائلة سوء فعلنا، ونحن إن عجزنا عن مقاومتهم في الظاهر فلا ترتفع أيدينا عن أنواع الكيد في الباطن وقالت الحكماء وهل التجربة: إذا عجز الشخص عن غريمه وضعف عن مقاومة خصمه فلا يستعين في ذلك إلا بمقاومته الحيل وأنواع الفكر المصيب ويستعين في ذلك بأهل النجدة والقوة ما استطاع ولو كانوا من أعدائه فإذا سلط بعض الأعداء على بعض ربما استراح ونال مقصوده وهذا يحتاج إلى فكر دقيق وعقل جليل وثيق كما فعلت الفأرة من الحيل حين عجزت عن مقاومة الثعبان، فقال الوزير: ينعم مولانا بكيفية الواقعة فقال العفريت: سمعت أن بعض الأغنيا وأرباب الثروة من الدنيا كان له حاصل يجمع فيه المغلات وكان في ذلك الحاصل فأرة وقد اتخذت لها وطنًا نزهًا ومكانًا متسعًا له منفذ إلى بستان كأنه قطعة من جنة آدم فكانت
1 / 47